كثيرة هى التحديات والمخاطر التى تحدق بالمنطقة العربية والتى لن يكون الارهاب، الذى تمثله داعش او جماعة الاخوان او باقى التنظيمات الارهابية والتكفيرية، هو اكبرها واخطرها، بل هناك من لايقل عنها خطورة على المنطقة وشعوبها وهى الطائفية التى تتفرع منها/إليها كل السرطانات التى تنخر الجسد العربى وتهدد بتفتيته وتشتيته. فالطائفية تولد التطرف والتطرف يولد الارهاب واينما حل الارهاب استيقظت النزعات الطائفية. الارهاب يستغل الطائفية كسلاح يمكن استخدامه من اجل توسيع مشاعر الانقسام وتوسيع دائرة الاحتراب واستقطاب وتجنيد الشعوب ضد بعضها، وتؤدى الطائفية الى تعاظم مشاعر المظلومية واختيار الارهاب كوسيلة للرد.
دوامة هي. ولم تمر الدول العربية منذ نهاية الحرب العالمية الأولى بمرحلة سوداوية اكثر من هذه التى نعيشها اليوم. الاحتراب فى سوريا والعراق وليبيا واليمن ولبنان والسودان، والبقية تأتي، بعدما انكفأ الشيعى إلى شيعيته والسنى إلى سنيته، واستعاد كل واحد منها الصراع المذهبى السني الشيعى الذى لاتزال ناره قابلة للنفخ فيها وتأجيجها على الرغم من مرور خمسة عشر قرنا على اندلاعها. مجتمعات بأكملها تتمزق، بإسم الدين وبسكينة الطائفية، وزادها تمزيقا التطهير العرقى الذى ينفذه تنظيم داعش الذى اجج الصراع الطائفى اكثر ودمر ما تبقى من تعايش ثقافى ودينى ومذهبي، وبات ابناء الوطن الواحد يقتلون بعضهم دون ذنب سوى انهم يعتنقون مذهبا مخالفا.
الاسباب التى تؤجج الطائفية كثيرة وتتوزع بين ارتباط المجتمعات سلبيا بالموروثات التاريخية واحتكامها الى وقائع حدثت منذ عشرات القرون فى خلافاتها الاجتماعية والسياسية القائمة اليوم، وبين غياب ثقافة التعددية الفكرية وانعدام لغة الحوار وثقافة التوافق السياسي، مع شعور أهل بعض القوميات والطوائف بوجود تاريخ من الظلم المتراكم على مجتمعاتهم، بالاضافة الى الانتصار للمصالح الضيقة للسياسيين او القائمين على بعض الجماعات المعنية بالطوائف، وغيرها من الاسباب، إلا ان انعكاسها على الدولة والمجتمع والمنطقة ككل يبقى واحدا وكارثيا، وهو الدمار والشتات.
المنطقة تدفع ثمن حروب استغل فيها الخطاب الطائفى والصراع الطائفى كشماعة لتمرير سياسات او تبريرها، وكفزاعة استخدمتها الانظمة من اجل السيطرة على شعوبها وضمان عدم خروجها من تحت عباءتها لنجد أن هذه الأنظمة كرست للطائفية من خلال خطاب إقصائى وسياسات تعسفية تصنف الآخر على أساس مذهبي، عقائدي، أيدلوجي، وأيضا كوسيلة لتببض التدخل العسكرى باعتباره يحول دون الاقتتال الداخلى والصراع الطائفي، واخيرا كغطاء لتهييء الارض لاحتضان الارهاب وتبريره. والنتيجة، فشل الانظمة فى تحقيق مفهوم الدولة التى تتسع لجميع مواطنيها بغض النظر عن انتماءاتهم العقائدية او المذهبية، وفشل الشعوب فى الدفاع عن حقها فى مبدأ المواطنة التى تعنى إعطاء كافة الحقوق المدنية والسياسية والدينية بشكل كامل ومتساو لكل مكونات الشعب، مما جعل انتماءها للطائفة بديلا عن انتمائها للوطن، وفشل الآلية العسكرية فى وأد الصراع الطائفى بل اججته اكثر، بينما انتصر الارهاب الذى يحصد كل يوم مزيدا من الارواح ويبتلع مزيدا من الارض.
إن خطورة الطائفية اليوم على المنطقة العربية تتجاوز بث بذور الحقد والشقاق باعتباره بداية للانفصال الإنسانى والاجتماعى وصولا للانفصال الجغرافى فى دولة ما، بل هى اصبحت خطرا عابرا للحدود، اذ ان نزوح مايقرب من مليونى شخص من منازلهم بسبب الحروب وارهاب داعش يعنى حدوث تغيرات سكانية فى الدول المستضيفة، وهذه التغيرات ستضاعف من التوترات المجتمعية القائمة وربما الخامدة فيها. ففى لبنان، مثلا، نزوح أكثر من مليون لاجئ سورى إليها يعنى تنامى القلق من تأثير ذلك على التوازن الطائفي. ونفس القلق تعيشه الاردن ودول الخليج والمنطقة بسبب الحروب فى العراق وليبيا واليمن وتزايد عدد اللاجئين. ولاننا نعيش فى منطقة تقتات من الطائفية وتعتمد على سياسات الهوية الطائفية من أجل حشد الدعم الشعبي، فهذه التغيرات السكانية ستزيد من حالة الاستقطاب المجتمعى ومن تنامى تداعيات الطائفية على المنطقة بالكامل.