يحتفل المغرب فى الـ 30 يوليو من كل سنة بذكرى عيد العرش المجيد، وهى ذكرى اعتلاء صاحب الجلالة الملك محمد السادس عرش أسلافه .
اما الاحتفال بهذه المناسبة فى المغرب فله خصوصيته حيث تتجدد فى كل سنة طقوس البيعة بكل ما لها من دلالة شرعية وما تشكله من خصائص الهوية الوطنية المغربية.
لم يعتل عرش المغرب سلطان أو ملك إلا على أساس البيعة/ مبايعته أميرا للمؤمنين. والحكم على أساس البيعة يعنى التزام المبايع بشروطها المعروفة سلفا، والمفصلة فى كتب فقه أصلها القرآن والسنة. وأهم هذه الشروط أن يقوم المبايع على حفظ دين الناس وأرواحهم وأموالهم وأعرافهم، والحفاظ على الأمن والعدل وحفظ المعاش وتنميته وصيانة كرامة الفرد والمجتمع.
وقد ساهمت دائما امارة المؤمنين، منذ عهد ادريس بن عبدالله الذى تمت مبايعته على ايدى البربر الى اليوم، فى الحفاظ على أمن المغرب واستقراره، وقد شكلت حصنا منيعا ضد تفتيت المغرب فى عهد المستعمر، وجدارا عصيا امام كل التغيرات التى عرفها العالم سواء قبل او بعد انهيار الكتلة الشيوعية، وواقيا صلبا لما عرفته المنطقة العربية من هبوب رياح الثورات، حيث ظل المغرب فى ظل التشبث بثوابته الدينية والروحية، فى منأى عن كل المخاطر والتهديدات الظرفية.
وكما يتجدد عهد البيعة فى كل سنة، فقد احتفل المغاربة فى 30 يوليو الماضى بالذكرى 16 لعيد العرش. 16 سنة كانت حافلة بالانجازات والعطاءات، فمنذ أن تسلم الملك محمد السادس الحكم فى عام 1999 والنقاش مفتوح حول هوية المغرب الوطنية، حيث وصف جلالته، فى خطاب العرش 2001، اللغة والثقافة الأمازيغية بأنها عنصر أساسى من هوية المغرب الوطنية، وهو ما شكل نجاحا كبيرا للحركة الأمازيغية المغربية، تلته نجاحات اخرى تمثلت فى تأسيس المعهد الملكى للثقافة الأمازيغية فى عام 2002، والتنوع المتزايد فى وسائل الإعلام من خلال تقديم واحدة من اللهجات البربرية الثلاث، بالإضافة إلى تعليم مادة اللغة الأمازيغية فى المدارس المغربية. وقد شكل الاعتراف باللغة الأمازيغية لغة رسمية ثانية فى البلاد إلى جانب اللغة العربية من خلال تعديلات دستور 2011 خطوة اضافية فى طريق الاعتراف بالتعددية الاجتماعية فى مغرب تمثل نسبة الامازيغ فيه نحو 40% من السكان. وبنفس المنطق يركز الملك محمد السادس على تعددية المجتمع المغربى بأصوله العربية والصحراوية والأمازيغية والإفريقية والأندلسية، وهو ما يشكل أمرا استثنائيا بالنظر الى الخطاب الوحدوى المألوف فى المنطقة. وهذا ما يؤكد عليه دستور المملكة لـ 2011 الذى قلصت فيه صلاحيات الملك لصالح البرلمان والهيئات المنتخبة واعطيت فيه استقلالية للجهات.
احد الملفات التى اولاها جلالته رعاية خاصة هى دعم وتبنى مجموعة من المطالب الاجتماعية والسياسية، ومن ضمنها تقصى الحقائق والتحريات حول انتهاكات حقوق الإنسان فى عهد والده الراحل الحسن الثاني، والمنصف لملف الاختفاء القسرى والاعتقال التعسفى والنفى لأسباب سياسية فى أكثر من مناسبة، من خلال إنصاف الضحايا، وإنصاف المجتمع فى إطار استمرارية المغرب، مصارحا، متضامنا، متصالحا ومتوجها نحو المستقبل. وفى هذا الاطار تم العفو عن مئات المعتقلين السياسيين والمنفيين، وإرجاع معظمهم إلى وظائفهم، وتمكينهم من مستحقاتهم، والإفراج عن مئات من ضحايا الاختفاء القسري، وإغلاق مراكز الاعتقال غير القانونية، وتعويض آلاف الضحايا، وأصحاب الحقوق ممن تعرضوا للاختفاء القسرى والاعتقال التعسفي. كما تم تأسيس “هيئة الإنصاف والمصالحة” فى 7 يناير 2004 والتى قامت بتعويض ضحايا ما يعرف بسنوات الرصاص بمبلغ فاق 200 مليون دولار كما قدمت توصياتها للنهوض بأوضاع حقوق الانسان. وفى 2004 تم إصلاح مدونة الاسرة المغربية التى تم وصفها بأنها من اكثر القوانين تقدمية فى العالم العربي.
كما حقق المغرب فى عهد الملك محمد السادس نجاحات كبيرة فى مجالات محو الأمية ومحاربة الفقر، وتزويد البلاد بالكهرباء، وهيكلة البنى التحتية، وإطلاق سلسلة من الاوراش التنموية والمشاريع المهيكلة والتى تشمل كافة القطاعات الحيوية، فى إطار تعزيز المكتسبات وفتح آفاق جديدة. ويعكس مشروع طنجة الكبرى من أجل تنمية مندمجة لمدينة البوغاز، الذى أطلق فى 26 سبتمبر 2013 ، البعد الشمولى للأنشطة التى يقوم بها ملك المغرب، وكذا تطلع المملكة للتموقع كفاعل وشريك فى المبادلات الإقتصادية الدولية. هذا وتعززت البنيات التحتية الطرقية بشكل ملموس وهو ما يعكسه عدد المشاريع المنجزة أو التى توجد فى طور الإنجاز، ومنها مشروع القطار فائق السرعة (تى جى في) طنجة الدار البيضاء.
وفى العمل الدبلوماسى قام محمد السادس بربط المغرب اكثر بعمقه الافريقي، وهو التوجه الاستراتيجى الذى تعزز بتدبير انسانى كبير لتدفقات المهاجرين الافارقة وحماية الامن الجماعى ودعم استقرار الدول الافريقية، وتأمين حصانتها الروحية ضد التطرف والارهاب. كما لم ينس المغرب دوره فى الدفاع عن القضية الفلسطينية والمحافظة على الطابع المتفرد للقدس الشريف كفضاء للسلام والتعايش بين الاديان السماوية.
الانجازات فى عهد الملك محمد السادس هى فعلا كبيرة، لكن مطامح الشعب المغربي، بناء على الثقة والمحبة الكبيرة التى تجمعه بملكه، تبقى اكبر فى خوض عدد من الاصلاحات السياسية والاجتماعية وإطلاق مشاريع تنموية تسهم اكثر فى تحسين ظروف عيش المواطنين.