ما معنى أن أتوجع وحدي وينام الوطنُ، ما الفائدةُ من عذابنا يا ابن عمري، النورُ لن يتوارى، سينمحي هذا الظلام الذي نحياه، قُم الآن معي ، دعك من هذا العبث، أنت يا محمد لم تمت، انفُض عنك الهم والكرب الذي كاد يعصفُ بنا.
ياولدي، ارتعشتُ أسئلتي، ما لوجهك ترتسمُ عليه علاماتُ الفزع، لا يا ولدي: لقد هتكوا عرض أيامي أنا، ذبحوني قبلك يا حب عمري، لم يمهلوني أن أسعد بك، لم يراعوا دينا، ولا ضميرا، أتوا على ما أملكه منك يا وطن، لقد أكلوا ولدي، استباحُوا شبابه، ونهمُوا ما تبقي من كبريائه، كان مشروع بطلٍ اغتالوه، لم تفعل شيئا إلا تقبيلي أنا وأمك، على أمل لقائك ثانية ،علام العجلة ياولدي، انتظر.. أكمل فطارك، (معي سندوتشاتي يا بابا في شنطة الكلية)، كشاكيلك وكتبك، (كله تمام يابابا.. سيبني أنزل اتأخرت) ، بابتسامة الواثق، وبقبلة حانية ودعني وودع أمه، نزلت يا ولدي ولم تعُد، تركتني وأمك للصراخ والعويل والألم، قل يا ولدي من قتلك؟ بأي دينِ يدينون ؟ من أصاب رأسُك يا حب عمري ، أقبلُ رأسك، وأرتمي الآن بصدرك، الذي استباحوك الفجرة الكفرة برصاصهم النجس، هاهو صدري يا حب عمري، انهل منه يا ولدي، مش ده الحضن اللي قلت عليه حضن مصر، لماذا تصمت الآن ياولدي، وأين كلامُك، أنسيت المثل الذي لم تحفظ غيره : (إن كبر ابنك خاويه ياسي بابا)، ابني محمد راجل، ولدي حب عمري، أرأيتم.. ولدي محمد كان يرفضُ أن يأخذ مني أو من إخوته شيئا، عزة نفسه وكرامته تمنعه، كان يملك كتابا وكشكولا وقلما، ولم يكن بي وبوالدته عصيا، كان نبيلا، ولم يكن شقيا، وكتب علي صفحته أشعر بأنني شهيد، هذا ولدي محمد يامصر، ابنك لم يدركوا يا ولدي أنك أحببتها، منذ نعومة أظفارك، لن تقتلوا الحرية والأمل ، في الوطن، نزعوا عن نيفين كبرياءها، فكوا ما بقي من عنفوانها، أتوا على ما تملكه من قيم تؤمن بها،. أخبر وطننا الذي نعيش فيه، عما فعلوه ، ما لهذه الدموع ما زالت تنمهر. فمتى كانت الدماءُ تقدر بثمن.. لم تكن تعلم أنها ستكونُ سببا في موت ابن عمري ، كانت تؤمنُ أن سور الظلام لابد أن ينهار، مع النهار، وظل السورُ قائما ، ولم يأت النهار، ، كان ردائي بعضا من مبادئي، التي آمنتُ بها وعلمتُها ولدي، العدل ..الخير.. والحرية، لم يتحدث عما حدث له، لم يخبرني إلا بنظرات مليئة بالألم، ودموع ملأى بالوجع، عيناه زائغتان، تفوحُ منهما رائحةُ المرارة، بداخلها كل معاني العزةُ والكرامة، قال لي ولدي محمد: دوامة سوداء يا أبي، ابتلعتُ كلامه، قبلتُه.. أحتضنتُ ما تبقي من وجدانه، حاولت أن ألملم بعضا من كيانه الممزق أمامي، قمتُ بتمثيل دور البطولة، كان لابد أن أبتلع مرارتي، وانسحبُ به بعيدا.. لعله يكلمُني ، توقف فجأة ولدي ، ارتمي على الأرض، لم يشأ أن يعود معي، استسلم، لم يشأ أن يقاوم ثانية، كل ما فعله أن انقطع شهيقُه ولم يعد ثانية زفيرُه ، كأني ألملم دماءه التي انتشرت بالمكان، كأنها السماء تزُفه وهو في ريعان شبابه كل ما تمناه أن يثأر حينما يتخرج للشهداء، اغتالوا ولدي بليل هؤلاء الحقراء.
بكيت، كما لم أبك من قبل افعلوا شيئا، وفي المستشفى أخبروني بأنه من الشهداء، مات ولدي ولم يستقم الأمر، مات ولدي بعدما عشتُ معه سبعة عشر عاما، مات ولدي وانفطر قلبي، كيف لمنزلنا أذهب؟ وبصوره : أمزقُها أم أقبلها لأتعذب؟ أخبروني عن ميدالياته.بالكلية ،كيف تبقي وهو يرحل، يا بني وطني.. محمد ولدي مات، وأنتم منشغلون بالحجاب حينا وبالتراث أحيانا، الإرهاب يحصدنا وبني وطني يبتكرون أساليب جديدة تمزق وحدتنا ، داسوك ياولدي ودهسوا أحلامك، (.... ناديتُ عليك كتير قوي، ما تزعلش مني يابابا، ناديت عليك بأعلي صوت، الحقني يابابا، انت لم تسمعني، كنت في الشارع المقابل لمنزلنا، تنتظرني والأصوات كانت عالية قوي يابابا، وماكنش ممكن تسمعني ، سامحني .. لم أسمع منك كلمة وداع، لم أسلم عليك، دمائي التي سالت لا تتركها يابابا، امسح بيديك عليها ،ما لقتش غير الدم ودخان رهيب، في كل حتة حواليا. ، ماكنتش شايف حاجة، بس شايفك انت وماما يابابا، من فضلك ما تزعلش مني..كن فخورا بي .. أكتب قصتي يابابا.. احكيها لكل المصريين.. لكل العالم.. لا تبك.. أرجوك.. قل لأمي إن محمد ابنك بطل.. ومصر تستحق ألف مليون محمد.. لازم يابابا سور العتمة ينهار.. لازم مصر تشوف النور......)
[email protected]لمزيد من مقالات أيمن عثمان رابط دائم: