أن يعود بك الحنين للجمال فجائز،أن تنغمرمعه ذلك الحنينُ في حوار هامس يهز كيانك، فذلك محتمل.. أماأن يجرحك الحنين ليعتصر ما تبقي لديك من الذكريات لتركك له يئـنُ في غير هوادة، كي تنغمس فيه.. رافضا عودتك.
فهذا أقربُ أنواع العذابات.. التي يصطلي بها من يملكون قلبا.. يحملٌ في ثناياه رونقا.. ينـمُ عن نسق غير محسوس.. لكنه موجود ..ينبضُ بداخله وآيةً نبضه رعشة.. في إطار من الوهج.. يظـللُ ذلك الإطارُ هيامٌ كماء زلال.. منطو على رقة إحساسات.. قلما نلمسُها حال غربتنا..أو حال فراقنا لمن نحب وتمضي الشهور والسنون عاتية وما يمضي الحب بل يظل قابعا داخل نفس تتوق للجمال وما أدراك أن يغترب قلبُك وتتوه آهاتك تستجدي ولو خيالا صورة من أحببت.. وتئن نفسُك وأنت قابعا ـ مازلت ـ داخل وطنك.. وذاك أقسي أنواع العذابات..تمشي.. تسير، تذهبُ وتعود، لتنام وتستيقظ.. وعليك أن تعاود الهبوط ثانية.. صباحا من منزلك.. وتقابل خليطا عجيبا من البشر..كم مرة تاهت منك نفسُك.. ثم أخبرني هل وجدتها؟ أخشى أن تظل ـ مثلي ـ حبيسا لعالمك المفقود.. المنطوي داخلك يسأل فلا تملك مصارحته ، تظل باحثا ثم لاتجدُها تلك النفس إلا بريقا.. زانته عينان ..فصارتا بلون الاشراق أقرب.. أختلفُ معك.. وقد تختلف أنت معي.. ولكنني لن أبوح بسر إن اعترفت لك: أنني افتقدٌ هذين العينين.. ولا أدري كيف أضمُهما لصدري.. كي أعبر طريق عودتي لنفسي .. فكيف أعـودُ إذن.. وعالمي ضائعٌ.. مرتعشٌ.. خائفٌ ومتردد.. كيف افتقدُ من يعزفُ جمالا.. ويقطرُ عسلا.. ويغني إشراقا.. حاولتُ يا صديقي أن أمسك بالأمل.. فانفلت مني.. وصار القلمُ بديلا للأمل..يطاوعني أحيانا وأخري يرفضني ثم حدث أن سقطت في البئر كلُ محاولاتي.. صرتُ أستقي منها هذه البئرُ.. كل معاناتي.. أحادثُها.. فلا تستجيبُ.. ويظلُ نحيبي مشتعلا مع تلك البئر ..ومازال قلبي عالقا بين الأمل.. يصارعه القلم.. ويحدُ من جموحه العقلُ.. فإلي متي أظلُ محروما منه الجمالُ.. ثم هل أعيشُ ما تبقي بين ـ تلك الدموع وهذه الآهات ـ وكيف لمن ـ هو مثلي ـ أن يواجه واقعا مليئا بالأضداد.. من يملكُ إذن أن يعيد لي نفسي.. رحلة كانت معها.. مازالت تمحصُني.. وفي أخري تسائلُني لتحاكمني.. كان الهوانُ حكما ..أصدره مجتمعٌ نحيا داخله.. ثم إنني لم أنجح.. سألقي بها نفسي داخل تلك البئر.. وقبل حكمك ـ أخبرني ـ ماذا تفعل لو أن كلماتك لا تستطيع أن تحمل ماتنطوي عليه نفسُك .. ثم هل أنت نفسٌ واحدة أم عدة وجوه؟ وماذا عن إحساساتـُك التي لم تعد تسعها مفرداتك أو كلماتك.. هي أكبـر.. هي أعمقُ.. هي ترتعشُ.. لكنها تحولت لنسيج.. لاينفلت قابعا داخلك.. يتمردُ.. يرفضُ ذلك النسيجُ الانصياع لكلمات.. تراها أنت وأراها أنا ..تتحول لرسم.. يبتعدُ عنك.. ليقترب منك.. ثم ينفصلُ ذلك النسيجُ.. ليمتزج وماهو بممتزج..وما من عذابٍ أقسى لصاحبه من أن تموج نفسُه.. لتختلط مابين الكلمات ونسيجها .. تصبح إحساسا وحدا.. لا تستطيع أن تميز حينها ..بينهما ..أعني ـ النسيج والكلمات ـ وفي النهاية.. يبقي الحكمُ لك.. أقرب لحدوتةٍ لا بداية لها ..ولا تمتلك نهاية.. كما أننا لم نمتلك بعد.. مفاتيح النفس.. ولا تقييم الضمير.. ولم تفلح التفكيكية لفك غموض الكون.. فالكلُ نسبيٌ يا صديقي.. لذلك تموجُ بنا النفسُ.. ونموجُ بها ..محاولين عبثا إيهام أنفسنا بأننا نمتلك الحقيقة لتدور من جديد الدائرة ... دائرة النفس اللامتناهية.
[email protected]لمزيد من مقالات أيمن عثمان رابط دائم: