رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

ليبيا.. القرارات المستعجلة وأفق الحل السياسى

عقدت يوم الخميس الماضي بمدينة الصخيرات المغربية جولة جديدة من الحوار الليبي، بين فرق الحوار التي تمثل الأطراف السياسية الرئيسية في ليبيا، وشخصيات تمثل المجتمع المدني، تحت رعاية الأمم المتحدة التي تشرف علي لقاءات منفصلة مع أطراف الصراع.

حيث تهدف المفاوضات الي تشكيل حكومة وحدة وطنية، واتخاذ التدابير الأمنية التي تمهد الطريق الي وقف دائم لإطلاق النار، وإستعادة عملية الانتقال الديمقراطي من خلال اكمال عملية وضع مسودة الدستور.

اجتماعات المغرب التي ينتظر منها اتخاذ قرارات سريعة وحاسمة وتسويات صعبة، اعتبرها البعض فرصة لتدارك الوضع الخطير في ليبيا، التي تشهد فوضي عارمة، بعد أن قادها الصراع السياسي الي إفراز أجنحة متناوعة علي السلطة، الأمر الذي جر البلاد الي تقسيم جغرافي اداري، يهدد وحدة نسيجها الوطني. ويبقي استمرار الصراع السياسي والعسكري في بقعة موبوءة بالارهاب هو بمثابة انتصار للمتشددين والارهابيين الذين بسطوا سيطرتهم علي الأرض، ويسعون جاهدين الي تقويض أي فرصة لتوافق الليبيين حول حل سلمي للأزمة السياسية والصراع العسكري، من أجل تكريس وجودهم ونفوذهم في ليبيا، وتقوية فرص تهديدهم للمنطقة والاتحاد الأوروبي الذي اعتبر أحد مسؤوليه أن الأزمة الليبية تترتب عليها عواقب وخيمة علي كل أوروبا.

ليبيا تدفع ثمن أخطاء سياسية قادت العالم الي التحالف من أجل اسقاط نظام العقيد، دون وجود رؤية واضحة وشاملة لما بعد اسقاط هذا النظام وكيفية ادارة المرحلة الانتقالية، في ظل مجتمع قبلي لا وجود فيه لدولة المؤسسات ولا لأي شكل من أشكال الحياة السياسية، مع وجود جهاز بيروقراطي مترهل وضعيف.

وتدفع ثمن التنافس والتناحر بين الكتل السياسية والمؤتمر الوطني الذي لم يستطع السيطرة علي الميليشيات، وفشلت كل محاولاته في انشاء جيش وطني ودمج الميليشيات ونزع السلاح. وتدفع ثمن انعدام الأمن واستمرار التفجيرات وعدم اكتمال مراحل الانتقال الديمقراطي (كتابة الدستور في موعده كما حدد الاعلان الدستوري). وتدفع أيضا ثمن تجاذبات اقليمية ودولية باتت بصمتها واضحة في دعم القوي المتحاربة علي الأرض.

النتيجة وطن مقسم سمحت فيه الأطراف المتناحرة بالدخول في صراعات مفتوحة ومتداخلة، حتي بتنا نري صراعات شرسة وتحالفات هشة بين الكتل السياسة، وصراعات أخري بين بقايا نظام القذافي والثوار، وصراعات قبلية ومناطقية، مقابل توغل جماعات ارهابية وسيطرة تنظيم الدولة الاسلامية علي الأرض مما يشكل خطرا كبيرا علي ليبيا ودول الجوار والعالم.

ومن أجل وضع حد لهذا الواقع السياسي المتأزم وما يرافقه من خطر الإرهاب، فإن الأمم المتحدة والعالم يراهنون علي اجتماعات المغرب، حيث تصب كل الجهود بغرض التوصل الي تسوية سياسية تنتشل البلاد من أزمتها، وتقي محيطها شرارة لهيبها، في اطار سيادة واستقلال الوحدة الترابية والوطنية لليبيا.

لكن هل ستنجح هذه الاجتماعات في ايجاد مخرج للأزمة أم سوف تلحق هذه الجولة بجنيف الأولي والثانية، وبكل الحوارات السرية والعلنية في تونس ومصر والجزائر وغيرها ؟ وهل تتمكن الأمم المتحدة وأمريكا من توفير حلول بديلة في حال اخفاق الحوار في التوصل إلي حل سياسي، أم ستصل ليبيا الي نفق مغلق؟.

وفرضا أنه نجح هذا الحوار، فهل سوف تنتهي مشاكل ليبيا بمجرد تشكيل حكومة توافق وطني تضم تمثيل كل الفرق المتنازعة، في ظل غياب جيش وطني قادر علي حماية المؤسسات وحماية المسؤولين، وانتشار عمليات الخطف المتكررة التي تشهدها البلاد ؟ وهل سيرفع المجتمع الدولي والقوي الاقليمية يدهم عن دعم الأطراف المختلفة، سواء كانت جماعة الاخوان أو حكومة عبدالثني المعترف بها دوليا، من أجل ضمان استمرار هذا التوافق واستكمال المسار الديمقراطي، بعيدا عن التجاذبات الاقليمية والدولية ؟.

أسئلة أخري يصعب التنبؤ بأجوبتها، كما يصعب أساسا التنبؤ بنجاح مفاوضات السلام التي يعقد عليها المجتمع الدولي آمالا لا يوفر بعدها حلولا بديلة في حال فشلها، وهنا بالتحديد تكمن صعوبة التكهن بمستقبل ليبيا وسط ما تعيشه من فوضي عارمة، وتوازن هش بين طرفي الصراع، وتهديد حقيقي باتت تشكله داعش واخواتها علي ليبيا والمنطقة، في الوقت الذي يصعب فيه تشكيل أي تحالف عسكري بري للقضاء علي هذه التنظيمات، بسبب كلفة هذا التدخل عسكريا وسياسيا.

لكن يبقي الأكيد أنه وسط تنامي وانتشار الارهاب وأمام الواقع السياسي المتأزم، والذي يمكن أن يستمر سنوات عديدة، فلا حل سوي الاستمرار في الضغط لاقناع الأطراف المتناحرة بأن الحوار هو الحل، والتأكيد في الوقت نفسه أن عدوا بات مشتركا بينهم، ويجب تنحية كل الخلافات للقضاء عليه ألا وهو الإرهاب وداعش وجميع التنظيمات المتشددة.

كما يجب علي المجتمع الدولي، وبشكل استعجالي، التوصل الي قرار من شأنه تعزيز الرقابة الأمنية علي السواحل الليبية، وعلي الحدود الجنوبية لمنع تدفق الداعشيين مع حصر خطر الارهاب في الداخل، ودراسة احتمالات رفع الحظر عن تسليح الجيش الوطني الليبي، مع ضبط آليات هذا التسليح، وتكوين الجيش الوطني حتي يكون قادرا علي محاربة التنظيمات الارهابية. فقرب ليبيا الجغرافي من مصر وتونس والجزائر والمغرب، جعلها عمقا استراتيجيا لهذه الدول، وجعل الخطر القادم منها يشكل تهديدا حقيقيا لأمنهم القومي، ما يحتم علي هذه الدول الجارة تنسيق جهودها لوضع استراتيجية مشتركة للوقاية من تهديدات داعش وأمثالها.


لمزيد من مقالات وفاء صندى

رابط دائم: