وفى عام 2007 قام شقيقان انتحاريان بتفجير نفسيهما وسط حى بالدار البيضاء، وقبله فى نفس العام فجر انتحارى نفسه فى مقهى للانترنت بنفس المدينة أيضا، قبل ان تهتز مدينة مراكش السياحية فى ابريل 2011 على صدى تفجيرات مقهaى اركانه الموجود فى قلب مراكش النابض بساحة جامع الفنا والتى راح ضحيتها 16 قتيلا ومصابيين سياح ومغاربة.
والصدفة ارادت ان يكون الفاصل الزمنى بين هذه العمليات الارهابية المختلفة هو اربع سنوات، ليعاود خطر الارهاب يلقى بظلاله بشدة على المغرب بعدما كشفت تقارير استخباراتية عن تهديدات جهاديين من أصول مغربية، القيام بأعمال عدائية تستهدف بالخصوص شوارع العاصمة الرباط، وشخصيات بارزة فى الدولة، و"إقامة دولة الخلافة على أرض المغرب". وقد هدد بذلك صراحة احد الداعشيين المغاربة، الملتحقين بمقاتلى داعش بسوريا، الذى كتب على حائطه الفيسبوكى "بإذن الله سنقيم دولة الخلافة بالعاصمة الرباط، ونتمنى أن نسعد المجاهدين بهذا الفوز، كما فعلنا فى سوريا والأردن والعراق والسعودية ومصر والأمارات العربية المتحدة، والمغرب بحول الله سيعرف نفس الشيء". وبغض النظر عما يحمله هذا التصريح من تعال ومغالطات، الا ان هذه التهديدات والتقارير يجب ان تؤخذ على محمل الجد، فالإرهاب يعيش فى ايامنا هذه انتعاشة لم يسبق لها مثيل، وآلياته وإمكانياته فاقت كل الحدود. فهناك أزيد من 40 مليون قطعة سلاح تتداول فى المنطقة اليوم، مع حديث عن صنع متفجرات غير قابلة للكشف بواسطة اجهزة المراقبة الالكترونية. بالإضافة الى سيطرة الجماعات المسلحة على مطارات وطائرات مدنية، خاصة فى ليبيا التى اصبحت ارضا خصبة للارهاب وحاضنة للتنظيمات الارهابية، مع تطور القدرات القتالية للجماعات المسلحة ونجاحها فى تجنيد مقاتلين تجاوز عدد المغاربة المنخرطين إليهم الالف مقاتلا (بين 1200 والـ 1500) يتولى بعضهم مراكز قيادية بالعراق وسوريا، وكلهم خضعوا لتدريبات عالية وعلى مختلف أنواع الأسلحة والمتفجرات. وهناك، فى المقابل، هوس "الخلافة" ورغبة مريضة فى "اسعاد المجاهدين بالفوز"، مما يفسر سادية هذا التنظيم واحترافه فنون الخطف والذبح والحرق والترويع وطموحه فى الانتشار اكثر والانتشاء بكل ما يحققه من خراب ودمار. العالم والمغرب اليوم امام عدو غير تقليدي، فهناك فرق بين العمليات الارهابية التى ضربت المغرب فى السنوات الماضية، والتهديدات التى تلاحقه اليوم. والمقاتلين المغاربة الذين توجهوا لأفغانستان والبوسنة نهاية الثمانينات ومطلع وأواسط التسعينات للمشاركة فى العمل المسلح الجهادي، والذين التحق وانضم بعضهم لصفوف القاعدة مع بداية الالفية الثالثة ليسوا هم نفس المقاتلين الذين التحقوا بالدولة الاسلامية فى العراق وسوريا التى نجحت فى استقطاب الشباب المغربى سواء المغرر به، باسم الجهاد ونصرة ونصرة الدين و"نصرة اخواننا فى سوريا"، او ذلك الذى ينتمى الى عناصر السلفية الجهادية حيث تلقوا تداريب دقيقة ومركزة حول كيفية استعمال الأسلحة وتقنيات التفجير والعمليات الانتحارية قبل تعبئتهم من أجل العودة لأوطانهم لتنفيذ مخططاتهم التخريبية والإرهابية لزعزعة أمن واستقرار المغرب تحت ذريعة مشاركته فى التحالف الدولى ضد داعش استخباراتيا وعسكريا، واستراتيجيته الداخلية الناجعة فى مكافحة الإرهاب، وايضا لقربه من اوروبا واى تهديد للمغرب فهو تهديد لها ايضا.
داعش بوحشيته واسلحته والدعم الموجه إليه، من بعض من لهم مصلحة فى زعزعة وتمزيق المنطقة، وبطموحه المتزايد اصبح يهدد الأمن والاستقرار فى المنطقة العربية والعالم، ومن هنا كانت مقاربة المغرب من اجل التصدى له مبنية على اليقظة والمرونة وفقا لتغير التهديدات. وقد اطلق المغرب فى هذا الصدد حملة "حذر" الاستباقية لحماية المنشآت العامة، مع اعتماده مقاربة استشرافية مبنية على تجفيف منابع التعصب واستئصال جذوره، مع اعتماد استراتيجية وطنية لمكافحة الارهاب والوقاية منه تقوم على ثلاثة مرتكزات تتعلق بتقوية الحكامة الأمنية، ومحاربة الفقر والاقصاء والتهميش الاجتماعي، ونشر قيم الاعتدال الديني. والحقيقة ان المجهودات التى يبذلها المغرب حفاظا على امنه واستقراره وحماية لأراضيه من أى عدوان ارهابى هى جيدة ومثمرة خصوصا بعد تفكيكه لأكثر من 18 خلية ارهابية ونجاحه فى اعتقال خلية يعمل أعضاؤها على تجنيد وإرسال متطوعين مغاربة للقتال فى صفوف داعش واخواتها بسوريا والعراق، وذلك بالتنسيق مع قياديى التنظيمات الإرهابية التى تنشط فى هذه البلدان. لكن بعد وصول داعش الى ليبيا الفاشلة، مستغلا بذلك الاضطرابات الأمنية بها للسيطرة عليها، اولا، وربما اعلانها ولاية اسلامية. وبسط نفوذه على المنطقة، ثانيا، بسبب انتشار الجماعات المسلحة وتجار السلاح والمخدرات فى منطقة الساحل والصحراء، وضعف التنسيق الأمنى بين دول شمال أفريقيا خاصة بين المغرب والجزائر، التى تصر على اقحام نزاع الصحراء المغربية المفتعل فى كل الملفات بما فيها الملف الامنى الذى يهدد المنطقة بالكامل، مما خلق فعلا بؤرة توتر جديدة بالمنطقة ستشتت الجهود الدولية للقضاء على داعش فى موطنه الاصلى العراق وسوريا، مما يجعل خطر الارهاب فى توسع اكثر، وكل المجهودات التى يقوم بها المغرب تبقى على المحك طالما وجد (الارهاب) منافذ جديدة يتسلل منها الى منطقة شمال افريقيا ومنطقة الساحل والصحراء.
المغرب يتصدى للارهاب امنيا واستراتيجيا حماية لأمنه الوطني، والامر نفسه بالنسبة لمصر التى قررت خوض المعركة عسكريا قصاصا لشهدائها ودفاعا عن امنها القومي، لكنها كلها جهود فردية لحرب باتت عالمية، حرب الانسانية ضد التطرف والارهاب والبربرية. فلا بد من تنحية الخلافات والصراعات جانبا وتعميق التعاون المغاربى والاقليمى والدولي، وتكثيف التنسيق الاستخباراتى لتجفيف منابع الارهاب واجتثاثه من جذوره والقضاء عليه قبل ان يكتوى الجميع بناره.