تضم الاسكندرية للعديد من قصور الرئاسة منها قصر رأس التين الفاخر الذى يعود إلى عصر محمد على وقد تم تجديده وتحديثه مع الاحتفاظ برونقه القديم أكثر من مرة كان آخرها فى عهد الملك فاروق.. وهو يعد من أفخم قصور الرئاسة طوقته المبانى القابعة حديثا والتى تم بناؤها عقب ثورة 52 يناير وبالتحديد فى منطقة «بحري» التى تحولت إلى كتلة خرسانية ضخمة دون ضوابط أو ميل إلى النواحى المعمارية.. كما طالت يد الاهمال قصر «صيدناوي» القابع فى منطقة ستانلي.. وطلت عليه جميع البنايات المجاورة له بصورة فجة وتم هدم إحدى الفيلات المجاورة له وبناء عمارة سكنية ترخيصها أربعة أدوار.. لكن فى حقيقة الأمر ارتفعت إلى 41 طابقا وهى مطلة على القصر الرئاسى مباشرة.. أما بخصوص قصر الصفا أشهر قصور الرئاسة بمنطقة سان ستيفانو فالجريمة كبيرة وعظيمة.. حيث تم هدم جميع الفيلات المجاورة له وتم بناء عمارات شاهقة.. فى العامين الماضيين وطوقته من كل جانب.. وأصبحت جميعها إطلالة مباشرة على حديقة القصر.. وكسرت خصوصياته وشوهت شموخه الذى عرف عنه فى تلك المنطقة الثرية.. أما قصر «المنتزة» الذى أشتهر بروعة وفخامة تراثه الأثرى والذى كان مقرا لـ «أفندينا» وأحد قصوره الملكية الذى شهد العديد من الأحداث التاريخية والذى بناه الخديوى عباس حلمى الثانى عام 2981.. ومازال مبعث الجمال والذى يبوح بأسرار الجمال ودقة العمارة والذى يحمل تفاصيل معمارية وإنشائية لا مثيل لها فى مصر يعانى هذا القصر وحديقته الفيحاء حاليا تعديات وتشويها وعبثا وطمسا للتاريخ وإغتيالا للجمال دون رقيب أو حسيب.. ويقول الدكتور محمد شاكر عميد كلية الفنون الجميلة الأسبق إن قصور الرئاسة بالاسكندرية تواجه محاولات دنيئة ومتدنية لتشويه الجمال والتاريخ معا من خلال إنشاءات عشوائية طوقت تلك القصور الفاخرة وشوهتها.. فى غياب تام للمسئولين الذين تراخوا فى اتخاذ الاجراءات القانونية فى مواجهة تلك العصابات التى سرقت التاريخ وترزقت منه على حساب المظهر الجمالي.
وقال شاكر محذرا إن إغتيال التاريخ مازال مستمرا والعبث بالمبانى مازال موجودا خاصة ما يجرى حول قصر المنتزة وحدائقه وبالتحديد بجوار كوبرى المندرة المطل على القصر مباشرة.. كتلة عشوائية غير عادية ومازال أصحاب الذمم الغائبة مستمرين فى الانشاءات المخالفة.. لدرجة أن المقاولين ينتهون من تجهيز الدور المخالف فى أقل من يومين.. حيث يسابقون الزمن فى البناء العشوائى المطل على قصر المنتزة.. وقال شاكر مطالبا تدخل رئيس الدولة ورئيس الوزراء فى وقف هذه الجريمة التى أكد أنها مكتملة الأركان.
أما الدكتور محمود عباس رئيس الإدارة المركزية لآثار العصر الحديث فيقول علينا التزام قانونى وتاريخى للحفاظ على قصور الرئاسة وهيبتها.. لأنها تجسد حقبة تاريخية وزمنية هامة فى تاريخ مصر الحديث.. مشددا على ضرورة الحفاظ عليها وحمايتها من الإغتيال العمرانى العشوائى والذى زحف بصورة مخيفة دون سابق إنذار.. وما تتعرض له هذه القصور فى الأربع سنوات الاخيرة. لم يحدث لها طوال عمرها الذى تعدى المائة عاما.. وتابع مؤكدا أن أصحاب الضمائر الضعيفة يستغلون المساحات الخضراء الموجودة حول هذه القصور وينشئون بنايات دون اتباع التراخيص أو الالتزام بقيود النسق المعمارى من ارتفاعات.. مؤكدا أن هناك العديد من الاشكاليات فيما يتعلق بالاشتراطات البنائية والتخطيط العمراني.. فضلا عن التجاهل التام فى تطبيق القانون.. الأمر الذى يتطلب من المسئولين فى الدولة بالضرب بيد من حديد لكل مخالف خاصة فى المواقع الآثرية والتاريخية .
ويؤكد المهندس مجدى صفار الخبير العقارى بالاسكندرية محذرا من الواجهات الخرسانية الصماء للمبانى العالية المواجهة للقصور الرئاسية والتى تسببت فى إعدام التاريخ.. خاصة أن هذه الواجهات لا علاقة لها على الإطلاق بالتاريخ والقيم المعمارية الجميلة. فهى تدمر المظهر الحضارى والعبق التاريخى للقصور الرئاسية خاصة قصرى الحرملك بالمنتزة والصفا بسان ستيفانو. وأضاف «صفار» أنه خلال الفترة من عام 2981 وحتى 2591 قامت ثورة معمارية حضارية إيطالية.. حيث كان يقوم المعماريون الإيطاليون ببناء المنشآت والمبانى فى مصر بطراز معمارى ايطالي.. ونسق جمالى هائل.. لكن إندثرت هذه القيم الجمالية بعد ذلك.. وتم استبدالها بمبانى خرسانية ذات واجهات قبيحة.. لا علاقة لها بالطابع التاريخى والقيم الأثرية والنسق المعمارى .
أما الدكتور هشام سعودى أستاذ العمارة وعميد الفنون الجميلة السابق قال الحل الوحيد للخروج من هذه الأزمة وقفة جادة وازالة جميع التعديات فلا أحد فوق القانون وتشكيل لجنة علمية من أساتذة الفنون والعمارة لإعادة تنسيق واجهات المبانى المواجهة لقصور الرئاسة بحيث تتوافق مع القمة التراثية والتاريخية للأثر وايجاد طابع معمارى يتناسب مع المكان التاريخى الموجود لحماية تلك القصور العتيقة من محاولات التشوية المتعمدة والمستمرة للقضاء على عبق التاريخ فى العاصمة الثانية.. مؤكدا أن الالتزام بقانون البناء وتنفيذ الرخص الممنوحة من الأحياء بتفاصيلها.. هو الضمانة الوحيدة الحقيقية لإنقاذ القصور الرئاسية من الأطماع والعبث العشوائي.. والسكوت على تلك الجرائم.. يعد بمثابة خيانة فى حق الوطن والتاريخ .
أما مسئولى الأحياء فلا حيلة لهم سوى تحرير محضر إشغالات ومخالفات للمباني.. والمبانى تتصاعد فى الارتفاعات ولا أحد يستطيع الوقوف ضد المخالفين الذين تربحوا بالملايين ومازالوا يتطاولون فى البنيان تحت سمع وبصر كبار المسئولين بالمحافظة.. ولا عزاء لقصور الرئاسة بتاريخها العتيق!!
وتبقى قصور الرئاسة بمدينة الثغر تقف حائرة حزينة تبحث على قانون ينصفها.. أو رجل دولة يصرخ فى وجه المارقين عن القانون بها.. وتواجه عواصف أكثر قسوة من نواة البحر التى عصفت بشواطئها.. لتخرج عن صمتها بالصراخ والعويل فمن ينقذها ويأخذ بيديها من بطش الطامعين فيها!!.