ظاهرة بدأت تغزو كل البيوت، أصبحت مادة دسمة يومية منذ فترة ليست بالقليلة في الفضائيات وبرامج التوك شو، وهي موضوعات تتعلق بالشذوذ والعلاقات الحميمة والجن، وتتصدر كلمة +18 أعلى شاشاتها، وحتى بعض المواقع الإلكترونية لبعض الصحف الشهيرة بدأت تنتهج نفس السياسية وتعرض لينكات تلك المواضيع على مواقع التواصل الاجتماعي.
وعندما بدأت أحلل تلك الظاهرة، توصلت لنتيجة مؤداها أن انتشار تلك المواضيع بهذه الصورة ربما يأتي لكسر حالة الملل التي انتابت الناس من الكلام في السياسة، فالناس "شبعت" سياسة، لكن الإفراط في تناولها بكثرة هو ما يثير التساؤلات... فها هو برنامج في الفضائيات كان يناقش القضايا الإنسانية وأحوال الناس الغلابة؛ ليتحول إلى مناقشة قضايا تثير الرأي العام؛ مثل الشذوذ والتحولات الجنسية، هذا غير موضوعات العلاقات الحميمة بين الزوجين والتساؤلات التي ترد من المتصلين بشأن كل ما هو غريب في تلك العلاقة!!
قناة أخرى بعدما تخصصت في أعمال الخير تحولت فجأة، ودون سابق إنذار، إلى عرض كل ما يتعلق بالسحر والشعوذة والجن، وشغلت حلقتها الأخيرة الرأي العام كله، وشرع بعض زملائها في المهنة من القنوات المنافسة إلى الهجوم عليها ودحض ما تعرضه، إلى أن تحولت الشاشة الفضية إلى ساحة للمبارزة -لنيْل مشاهدات أعلى- والتلميح بإهانة الزميل الآخر، الأمر الذي ضاعت معه هيبة الزملاء بصفة خاصة، وحالة التردي التي وصل إليها الإعلام بصفة عامة.
مواقع إلكترونية لصحف شهيرة، عرفت برصانتها سابقاً، استقطبت فيها أخبار الجنس قسطاً من المساحات المفردة للمعارك السياسية، وبدأت تلعب على وتر إثارة القراء- تقريباً كل يوم- وتعرض على سبيل المثال أشهر الأفلام العربية الممنوعة من العرض، وأخرى بدأت تنشر على مواقع الاتصال الاجتماعي لينكات لفيديوهات دكتورة متخصصة في الاستشارات النفسية والطبية الزوجية، في أحد البرامج، وأسئلة مزعجة مثيرة عن غرائب العلاقات الحميمة، وبعدها الصدمة؛ بعنوان مبتذل عن التأييد لتلك العلاقة!!
لم تدرك البرامج والمواقع أن الإفراط في تناول تلك القضايا المثيرة -تحت بند الملل من السياسة، أو انتهاج سياسة جديدة للبعد عن المواضيع السياسية- يمكن أن يسبب خللاً ما، خصوصاً التي تعرض على مواقع التواصل الاجتماعي، ومعروف أن معظم مرتاديها هم الجيل الجديد من المراهقين والصغار، فإذا كانت النية -لهدف ما- أن يبتعد الإعلام عن انتهاج طرح القضايا السياسية، فإنها من جانب آخر بدأت في هدم قيم أخرى لدى النشء وإثارتهم؛ بسبب الأنانية وإعلاء المصلحة الذاتية على حساب المصلحة العامة؛ لكي يذيع صيت مقدم البرامج هذا -أو تلك- ويلقى برنامجه أعلى المشاهدات وبالتالي يزداد أجره، أو تنتشر قاعدة تلك الصحف على النت وتبخس تقاليدها؛ ظناً منها بأنها ترضي القراء.
إننا أمام مشهد إعلامي شعبي ملتهب، يعيد إلى أذهاننا إلى ما كان عليه الوضع قبل أن تصبح السياسة مادة الإعلام الرئيسية، بعد ثورتي 25 يناير و30 يونيو، يوحي بأننا أمام صورة مقولبة؛ مزيج من تحجر اجتماعي محوره الجنس والحريات الشخصية، وإلى أن يشبع الإعلام نهمه من الإثارة، تبقى مشكلات الناس الحقيقية مؤجلة أو هامشية على أقصى تقدير.
لمزيد من مقالات أحمد مصطفى سلامة رابط دائم: