رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

لهــذا.. لا يجـــوز تكفيـــر داعــــش!

يتناقض عدد من اليساريين والليبراليين بشدة مع أنفسهم وهم يتجاهلون بعض القواعد الدستورية الإيجابية الأساسية،

 خاصة منها ما هو تتويج لنجاحاتهم عبر تاريخهم، كأفراد وأحزاب وتيارات، بعد تجسيد بعض أفكارهم ومبادئهم فى الدستور، مثل المواد التى تنصّ على ضمان حرية الاعتقاد، وعلى أن تكون نصوص الدستور والقانون هى الفيصل فى القضاء فى أى نزاع، وعلى نبذ الخلط بين السياسة والدين..إلخ

ولكنهم هذه الأيام يلجأون إلى استخدام ما كانوا يحاربونه طوال السنوات الماضية، فى معركة يخوضونها مع الأزهر الشريف بسبب البيان الذى أصدره قبل إيام، وقيل فيه إنه تصحيح لعبارة وردت على لسان ضيف أجنبى تَقبَل التأويل بتكفير تنظيم داعش الإرهابى الذى يُهدِر دماء المسلمين يومياً ويثير الرعب فى الإقليم وعبرالعالم! والبيان باختصار يرفض تكفير داعش، ويسوق أسبابَه ومبرراتِه.

ينتقد هؤلاء بيان الأزهر ويطالبونه، حتى يكون منصفاً كما يرون، أن يقوم بتكفير تنظيم داعش لخروجه، كما يقولون، على صحيح الدين وحلّه لدماء المسلمين، ويسخر بعضهم من أن هناك فصيلاً فى الأزهر يخفق قلبه مع داعش ولا يقبل أن يُوصَم بالكفر، ويرون أن هذا تناقض لا يُغتَفَر فى أداء الأزهر، ويقارِنون بين مرونة الأزهر وسِعة أفقه هذه المرة مع داعش وبين الشدة والتطرف وضيق الصدر إلى أقصى حدٍ مع السياسيين والأدباء والمفكرين والفنانين، ويعيدون الإسهاب فىٍ تفاصيل ما حدث مع نجيب محفوظ ونصر حامد أبو زيد وفرج فودة وغيرهم، إضافة إلى الاتهامات الجزافية التى كفّر عددٌ من شيوخ الأزهر فيها اتجاهات سياسية بالكامل..إلخ

وهكذا انتقلت، عملياً، هذه الفئة من اليساريين والليبراليين إلى أرضية الإرهاب الفكرى الذى يرفع شعارات إسلامية متطرفة، وراحت تتبنى منطقَه وحججَه بل ومصطلحاته، وتطالب بما يطالب به وبخطاب يكاد أن يكون متطابِقاً، وبدلاً من التعامل مع ما هو على الارض، وبدلاً من أن تتوجه إلى المستقبل بكل ما فيه من مهام عاجلة وخطيرة، انزلقت فى الانكفاء على أحداث الماضى لتصفية ثأرات قديمة، والأخطر من كل هذا أنها سعت إلى مكسب مؤقت تترتب على طريقة كسبه عواقِبُ وخيمة، ونسيت أهم ما كان يجب أن تلتزم به، وفق رؤاها ومنابعها الفكرية ومستهدفاتها العملية، وهو الالتزام بإعمال مبادئ الدستور والقانون وعدم الحياد عنها أو اللجوء إلى أى مرجعية من خارجها!

ينصّ الدستور على أن حرية الاعتقاد مُطْلَقة (المادة 64)، ولكن هنالك فصيلاً قوياً فى الأزهر ومن خارجه، بين السلفيين والإخوان، يُصرِّون على أن ينحصر معنى الاعتقاد فيما يؤمنون هم به، فى حين أن هنالك مواطنين آخرين يُخلِصون فى عقيدتهم لمبادئ أخرى، ولم يَذكر الدستور شيئاً عن حق مواطن أو مجموعة من المواطنين فى تكفير أحد.

وكان حرياً بهذه الفئة التى تهاجم الأزهر الآن أن تتمسك بالنصّ الدستورى الذى يُعبِّر عنه مضمون بيان الأزهر، وإن كان تأويل الأزهر جاء وفقاً لما يراه فقهياً.. من أن الذنوب مهما بلغتْ فإن ارتكابها لا يُخرِج العبدَ من الإسلام وأنه لو حكمنا بكفرهم لصرنا مثلهم ووقعنا فى فتنة الكفر.

وكان فضيلة الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر قد أعلن مؤخراً موقفاً أعلى من هذا البيان وأقرب إلى أفكار المنتقدين، وهو يُذكِّر من يتبنون خطاب التكفير بالقاعدة الفقهية التى كان يتعلمها هو وجيله عندما كانوا فى طلب العلم بالأزهر، والتى تقول: «إن العِلِّةَ المُبيحَةَ لقتل أحدٍ هى العدوانُ وليس الكُفر».

وهذه أيضاً كان حرياً بهولاء اليساريين والليبراليين أن يتمسكوا بمضمونها الذى يكاد يتطابق مع مرجعياتهم، والذى يتفق مع مبادئ الدستور والقانون مع اختلاف المنطلق. وأما التورط فى المناداة بتكفير داعش فهو مما يبعث السرور فى قلوب داعش وغلاة المتطرفين، لأنهم، بسيادة منطقهم، يكونون قد حققوا أكبر انتصار.

لا ينبغى أن يُحاسَب أحدٌ على أفكاره وعلى حقه فى الترويج لها مهما بلغت من الشطط ما دام أنها لا تتجاوز ما يُبيحه القانون، ولكن العقاب القانونى لا تهاونَ فيه لكل من مارس العدوان سواء برفع السلاح أو بالتحريض على رفعه أو بتبنى خطاب الكراهية المُفضِى إلى الفتنة، حتى إذا كان من أكبر المؤمنين وأكثرهم تبتلاً.

وبمناسبة هذا السياق، فليس هناك ما يمنع من ذكر بعض البديهيات: على أجهزة الدولة أن تحرصَ على ضبط كل من يخرج على القانون، وإذا قاوم مارست معه القوة المتكافئة مع مقاومته، فإذا رفع السلاح تصدت له بالسلاح وفق القانون، ليس لأنه كافر وليس بسبب عقيدة يعتنقها وإنما لأنه ينتهك القانون ويعتدى على المواطنين وعلى المجتمع. وهذا ما يجب أن تقوم به الدولة، دون فتوى تكفير من شخص ما أو من جهة ما، ضد كل الخارجين على نظامها المتمثل فى الدستور والقانون، سواء كانوا من داعش، أو من الإخوان، أو من قُطَّاع الطرق والبلطجية ممن لا ينتمون لأى أفكار متطرفة سياسية أو دينية.

البلاد مُقبِلة على انتخابات برلمانية مُهمَّة تنتهى بها المرحلة الانتقالية التى طالت بأكثر مما ينبغى، ويجب أن تتوافر لها كل شروط النجاح، خاصة أنه يدخل فى باب العلم العام أننا بصدد موسم درج المتطرفون فيه على إشعال فتنة التكفير باستباحة كل الأسلحة الممكنة التى تبدأ بالأكاذيب ولا تنتهى بالتشهير، وخاصة على منابر الأزهر التى تُستَغَل أسوأ استغلال لذبح الخصوم السياسيين للإخوان وللجماعات السلفية حول أمور تتعلق بالدنيا ولا تمسّ الدين من قريب او من بعيد، وقد جاء هذا البيان من الأزهر الشريف بما يدعم أن يُطالبه الجميع بالالتزام بنص القانون وبضبط موظفى الأزهر المتساهلين فى استخدام سلاح التكفير، ومساءلة كبرائه المتحدثين فى الصحافة والإذاعة والتليفزيون والذين هم خبراء فى الغمز واللمز فى عقائد من لا يتفقون معهم.

وليت هؤلاء المنادين بتكفير داعش يراجعون أنفسهم ويَكفّون عن الطعن فى إيمان أحد، وأن يعملوا على التصدى لكل من ينتهك الدستور والقانون، صوناً للدستور والقانون.

[email protected]
لمزيد من مقالات أحمد عبد التواب

رابط دائم: