رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

تهافت الإعلام فى واقعة دمياط.. وفى أشياء أخرى..

لا ترجع كل الأخطاء الكبرى فى أداء الإعلام المسمى بتليفزيون الدولة إلى تعليمات عليا يجب الإذعان لها، برغم ما لهذه التعليمات تاريخياً من دور فى الهاوية التى تدهور إليها المستوى، وإنما ينبغى إقرار أن هناك أسباباً أخرى بعضها يتعلق بتواضع المهارات المهنية لكثير من الإعلاميين

وهو ما تفاقم إلى حدود تنذر بالخطر عبر سنوات لم يكن يعنى المسئولين عند اختيار المتقدمين للوظائف إلا إقصاء مَن تحوم حوله شبهة الانتماء السياسى لأى تيار أو فصيل يمكن أن يُصنّف فى إطار المعارضة، ولم يقبلوا حتى إيحاءات بالاستقلال الفكرى أو السياسى، ووصل الأمر إلى استبعاد مَن يُشتَّم فيه اعتدادٌ بالذات أو رفضٌ للانسياق! وكانت فترة الاختبار قبل التثبيت فى العمل تعنى متابعة عمليات الفرز، ولم يُفلِت من المذبحة ويتمكن من الاستمرار إلا القليل ممن تمكنوا من إجراء بعض المواءمات، وهؤلاء الأخيرون هم الذين يحققون هذه الأيام أى شئ له قيمة.

ومن الحقائق المؤسفة أن معظم أصحاب القرار الآن هم ممن أثبتوا عند نقطة البدء أنهم سريعو التلبية للأوامر، بل إن أدمغتهم تشكلت على أساس أن الإعلام فى خدمة الحكم، بأكثر من الوطن أو الدولة، وأنهم بعيدون عن الالتزام بقواعد الإعلام التى يتلقاها الطالب فى مستهل دراسته، بأن المتلقى للرسالة الإعلامية، القارِئ أو المستمِع أو المشاهِد، هو الهدف الأساسى للإعلامى، وأن الدور الوحيد للإعلامى هو خدمة جمهوره، هذا إذا كان راغباً فى الابتعاد عن عمل القائم بأعمال الدعاية أو العلاقات العامة.

أنظر إلى الكارثة الحية المتكررة كل ساعة على مدى اليوم على التليفزيون والتى تُغتال فيها اللغةُ اغتيالاً، فى مهنة أهم أدواتها اتقان نطق اللغة وإجادة الإعراب حتى بمستوى تلاميذ المدارس فى التعليم الأساسى! وتعجب، كيف يستمر هؤلاء كل هذه السنوات فى عملهم دون أن ينقلهم مسئول إلى عمل آخر، بل ودون أن يهتموا هم بأنفسهم بتطوير أدوات هم أعلم من غيرهم أنهم يفتقدونها!

وهذا مثل آخر على ضعف الكفاءة أو انعدامها، من قناة الأخبار الرئيسية، فقد بدأت الفقرة الرياضية مساء الجمعة الماضى، بخبر أن اتحاد الكرة الإفريقى حسم أمر بطولة الأمم الإفريقية التى سُحبت من المغرب وقرر أن تُقام فى غينيا الاستوائية، ثم جاء الخبر الثانى مباشرة، ودون أى فاصل، وبلسان نفس المذيعة، أن مبارَيات الغد هى بين فرق كذا وكذا، فى بطولة الأمم الإفريقية، وقالت بالنصّ: التى لم يتقرر بعد أين ستُقام بعد أن سُحبَت من المغرب! وقالت العبارة الأخيرة بابتسامة عريضة دون أن تُدرك التناقض الذى تفوهت به!!

من القواعد الأساسية التى يجب على محررى الأخبار أن يظلوا منتبهين لها طوال الوقت، هى أن معلومات الخبر الجديد قد تتناقض مع الأخبار السابقة بما يَلزم إعادة صياغتها لتتفق مع آخر المستجدات، وإلا لحدث مثل هذا الخطأ بحجم الفيل الذى لم ينتبه إلى وقوعه جيش من المسئولين ليلتها، وليس المحرر والمذيعة وحدهما!

هذه العقلية عاجزة عن اتخاذ أى مبادرة خشية إثارة غضب المسئولين! ولهذا تعانى الجماهير العريضة المؤرَّقة بمتابعة الأخبار المهمة، والتى لا تجد مادتها بسهولة! ففى صباح الأربعاء الماضى أفاق الناس على كارثة العملية الإرهابية قبالة ساحل دمياط، التى هى نقلة نوعية خطيرة، لأنه لأول مرة، على الأقل فى مصر، يتجه الإرهابيون إلى عمليات من البحر! وراح الناس يلهثون لتتبع الخبر المخيف، ولكن دون جدوى، فقد أصرَّ التليفزيون على الالتزام بالتعليمات الأزلية التى تتعامل مع الأخبار وفق تراتب البروتوكول، الذى يبدأ بأخبار الرئيس، ثم أخبار رئيس الوزراء، ثم من يليهما، وهكذا وضعوا الخبر فى مكانته بالدرجة الرابعة فى الترتيب!

والمتابعون المحترفون يعلمون أن الخبر لن يَتصَدَّر أكثر من ذلك إلا إذا جاء على لسان الرئيس أو رئيس الوزراء أو من يليهما!

من المستبعد أن تكون هنالك تعليمات بمنع متابعة الخبر، أو التأخير فى إذاعته، كما أنه من غير المتوقع من هؤلاء الإعلاميين أن يجتهدوا فى متابعة الخبر والتعليق عليه إلا إذا تلقوا على الأقل إشارة بذلك! فى وقت تنطلق فيه التليفزيونات فى العالم بسرعة فائقة لا تملكها الجرائد.

وبالفعل، كانت تليفزيونات وإذاعات العالم ومواقع الإنترنت، تتسابق فى هذا الوقت فى إذاعة معلومات متضاربة لم يكن يستطيع أن يحسمها إلا مصدر معلومات مصرى، وهو ما تأخر، ثم تأخر، ثم تأخر، لأسباب أخرى تثبت ضعف إدراك خطورة التأخر مع مثل هذه الأخبار!

ووقع الناس فى بلبلة تضاربت فيها كل الاحتمالات، من التضخيم فى حجم العملية الإرهابية ومخططها الذى قيل فى بعض رواياته إنه نجح فى استدراج البحرية المصرية إلى كمين ثم فتحوا عليهم وابلاً من النيران، إلى النقيض بأن البحرية تمكنت من إصابة لنشات الإرهابيين وقبضت على أكثر من 30 إرهابياً، منهم عدد من الأجانب، وقيل بل إن المقبوض عليهم مجموعة من الصيادين المصريين المسالمين كانوا موجودين فى مسرح الجريمة مصادفة، وإن جماعة إرهابية تمكنت من اختراق البحرية بتجنيد ضابط مصرى قاد العملية، ثم تكذيب مستتر من متحدث رسمى رفض ذكر اسمه إن هذا الضابط المذكور بالاسم هو أبعد ما يكون عن الانتماء إلى الإرهابيين، ثم قيل من موقع غير صديق إنه لم يكن هنالك أى إرهاب فى الموضوع وإنما هى عملية تهريب مما يحدث أمام السواحل، وقد ظنتها البحرية إرهاباً فقامت بإطلاق الذخيرة الحية..إلخ

كل هذا رآه المسئولون فى التليفزيون بعيداً عن مهام وظيفتهم، لا متابعة، ولا تصريح خاص من مصدر موثوق، ولا معالجة موضوعية بتعليقات خبراء، ولا شئ!

سوف يواجَه المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام المزمع تأسيسه بعد البرلمان القادم، بأن مشاكل التليفزيون أعقد مما تبدو عليه!

[email protected]
لمزيد من مقالات أحمد عبد التواب

رابط دائم: