كما سيكون منهم، أيضاً، أعداد من كبار رجال الإفتاء، وأعضاء بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، ومسئولى الوعظ والوعّاظ فى عموم البلاد، ومدراء حملات نشر الدعوة فى الخارج، وكثير ممن يطلق عليهم «كبار العلماء»..إلخ، وبهذا سيصير لهم اليد العليا على الأزهر الشريف الذى خصَّه الدستور بأن يكون المرجع الأساسى فى العلوم الدينية والشئون الإسلامية (المادة 7)، ليبت فى أمر المسائل التى تقصدها المادة 2 بأن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الأساسى للتشريع، أى أنه سيكون فى إمكان هذه القيادات الجديدة للأزهر الشريف، بعد سنوات قليلة، أن يُعطِّلوا ما يرون أنه يتعارض مع رؤيتهم وفهمهم للشريعة الإسلامية، وكلنا نعرف الآن رؤيتهم وفهمهم للشريعة التى هى بالضبط ما يتجلى يومياً فى أعمالهم التخريبية!
وسوف يكون صعود هؤلاء إلى المناصب القيادية بالانتخاب الطبيعى، وبمرور الزمن، وبمساعدة الطابور الكامن هذه الأيام فى الأزهر والذى يبارك كل تخريب يقوم به الطلاب فى الجامعة وخارجها، والذى يشكل لهم سنداً معنوياً هائلاً، إضافة إلى تورط البعض منهم فى علميات التمويل، كما أن منهم من يضع المناهج الدراسية المخيفة التى تربى تلاميذ المدارس الأزهرية على أن الدفاع عن الوطن تَشَبُّه بالكفار، وعلى أن المسلم الحق لايدافع إلا عن الإسلام كما يفهمونه، الإسلام الذى يرون أنه يجيز للمسلم أن يقتل الكافر وتارك الصلاة وأن يأكل لحمهما حتى دون أن ينال رخصة بذلك من الوالى! الإسلام الذى يمنع على المسلم أن ينفق على علاج زوجته المريضة لأن الله سبحانه وتعالى لم يأمره بذلك، بل إن الله خلق له الزوجة للمتعة لا لتكون عبئاً عليه! حتى صارت هذه أفكار عموم الطلاب حتى من لا يشارك منهم فى التخريب!
والغريب أن حرباً شعواء تُشَن بلا رحمة على مَن يتجرأ بانتقاد ما يحشون به أدمغة الصبية الصغار، فتكون أرضية أفكارهم التى يبنون عليها ما يذيعونه فى ميكروفونات المساجد عندما يتخرجون ويصبح لهم منابر يبثون منها على عامة البسطاء الذين تتشكل عقولهم على التعصب وكراهية الآخر واحتقار الوطن والاستهانة بترابه!
بل إن القتلة المحرضين على القتل يباركون أفعال تنظيم داعش، ويتهمون الإعلام، الذى يبث أخباره المفزِعة، بكراهية الإسلام والحض على قتل المسلمين، فى حين أن المادة الأساسية للإعلام هى ما يذيعه داعش عن أفعاله وأقواله.
وقد دافعت أستاذة دكتورة فى جامعة الأزهر، من ناحية الفقه كما قالت، عن سوق النخاسة الذى باع فيه داعش عدداً من «سبايا» الإزيديين فى القرن الحادى والعشرين، فقالت إن هذا لا يتعارض مع الشرع الذى أجاز بيع أولئك النسوة لإذلال الأعداء، لأن المرأة هى شرفهم فإذا أمتُهنت كرامتُها فقد أثبتنا الغلبة عليهم!
لاحظ أنها اعتبرت أبناء الوطن الواحد أعداء لا لشئ سوى لأنهم يدينون بغير الإسلام كما يفهمه داعش، حتى إذا كانوا مسلمين على مذهب آخر لا يؤمن به داعش!
الواضح أن المخربين فى تظاهرات الأزهر لا يُعبِّرون إلا عن اتجاه واحد فى صفوف المسلمين، وبرغم أن الأغلبية الساحقة تنبذه، إلا أن هذا الاتجاه المحدود عدداً هو المرشح للهيمنة على الأزهر بحكم القواعد التى تضبط من يُختار للمناصب فى الأزهر، بقَصْر الفرصة على خريجى الأزهر، بما سوف يتيح لهذا التيار أن يكون هو المتحدث باسم المسلمين، عملاً بدور الأزهر التاريخى، ثم تصير له تلقائياً المرجعية فى الأمور الدينية والشئون الإسلامية وفقاً للنص الدستورى، فتكون له اليد العليا فى التشريع بما سوف ينطبق على المسلمين وغيرهم.
ولكن، ولحسن الحظ، فإن المادة 227 تنص على أن الدستور، بديباجته وجميع نصوصه، يُشكِّل نسيجاً مترابطاً، وكُلاً لا يتجزأ، وأن أحكامه تتكامل فى وحدة عضوية متماسكة. وقد تعددت الإشارات والنصوص القاطعة التى تحدد روح الدستور الذى يستهدف الوصول بالبلاد إلى مصاف الدول الحديثة الديمقراطية ذات الحكم المدنى الخاضعة للقانون التى تساوى بين مواطنيها فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، وتدين أى تمييز بينهم فى أى مجال، ناهيك عن التزام الدولة باحترام وحماية كرامة كل إنسان ورفض المساس بها، ورفض التعذيب بجميع صوره وأشكاله.. إلخ
وهذا جميعُه يحدد جوهرَ الدستور، بما ينبغى معه العمل على تغيير المواد التى تتعارض مع هذا الجوهر، وهى بالذات المواد التى رضخت الأغلبية الساحقة فى لجنة الخمسين للتعديلات الدستورية لضغوط ممثلى حزب النور والأزهر الشريف على أن تندرج فى الدستور، ومنها هذه المادة التى جعلت من الأزهر مرجعية.
وقد ثبت الآن أن ما ظنته لجنةُ الخمسين درءَ خطرٍ أكبر بخطرٍ أقل، قد تبين أنه دعم لخطر ماحق كان مستتراً، ثم تبين قريباً، ونما سريعاً، وشارف على أن يتعملق بسبب هذه المواد، وصار عتبة يُرتقَى منها إلى مستويات أعلى يتمكن منها وبها المتطرفون!
وقبل مناشدة الرئيس ومجلس النواب القادم، فإن النداء أولاً لرجال الأزهر الذين يعلمون أكثر من غيرهم مخاطر هذه العناصر المُخرِّبة، والذين يهمهم أن تنجو البلاد من هذه المخاطر، والذين يتخوفون من الإمكانيات التى تتيح للمخربين أن يصعدوا، والتى أهمها الممكنات التى يوفرها الدستور، بأن يكون هؤلاء العقلاء هم أول المطالبين بتعديلات دستورية لنزع أظافر المخربين قبل أن تتحور، فى غضون سنوات قليلة، إلى براثن يفترسون بها البلاد!
يقول المثل الدارج إن الاقتصاد أخطر من أن يُترَك للاقتصاديين، وبالأحرى فإن مصر أخطر من أن تُترَك للأزهريين.