رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

مَن فى سـوريا يتذكـر هضبـة اسـمها الجـولان؟!

تكسب إسرائيل المزيد يومياً، على جميع الأصعدة، مع كل يوم يستمر فيه الصراع ضد تنظيم داعش وأمثاله، لأن هذا يستنزف أى طاقة أو قدرة على مواجهتها من أعدائها التاريخيين والمحتملين، كما أنه يُوَفِّر أفضل الأجواء لاستقرار أحوالها كما تحب على الأراضى التى احتلتها منذ 1967، بعد أن خرج من النزاع أو المقاومة أو المفاوضة أىُ حديث جاد عن أرض فلسطين وعن لاجئى 48، ولم يعد له مكان إلا فى إطار اجترار الآلام!

وهذا ما يُخيف فى كلام السياسيين والخبراء الأمريكيين وحلفائهم الذين يُصرِّحون يومياً بأن الحرب ضد داعش سوف تمتد لسنوات، بما يعنى المزيد من الاستقرار لإسرائيل بما هى عليه، فضلاً عن ضحايا المذابح والفزع للملايين من البشر المسالمين، وهناك أيضاً قولهم إن قوات التحالف الدولى بزعامة أمريكا عاجزة عن منع تقدم داعش واستيلائه على المدن، مع إصرار التحالف على أن يقتصر تدخله على الضربات الجوية حتى بعد اعترافهم بعدم جدواها إلا فى أهداف محددة ومحدودة، بل إن هنالك تسريبات، يبدو أنها متعمدة، عن أن داعش أكثر قوة الآن مقارنة ببدء الحرب ضده!

وفى كل هذا تحريض، أو حضّ، للدول العربية على أن تشكل قوات أرضية تحارب داعش وجهاً لوجه، مما يفتح الباب لدوامة رهيبة تُهدَر فيها دماء عربية بيد عربية على الناحيتين، فتتكرر مأساة غزو الكويت ومحنة تحريرها!

إذا لم يكن هذا هدفاً لمؤامرة أجنبية ناجحة فهو نتيجة لفشل إقليمى ذريع، أو قُلْ إن أسبابه تتوزع بين هذا وذاك، خاصة وقد تَوَلَّد عن تدهور الأوضاع السريع قصورٌ ذاتىٌ صار يجرف أطرافاً جديدة فى الأتون المشتعل، والذى يشهد عوامل غير مسبوقة مما يجب التوقف أمامها بجدية، وكان آخرها هذه الطفرة النوعية فى سلاح داعش بعد إعلان أنه استولى على 3 طائرات مقاتلة من سلاح الجو السورى، وأنه بصدد تدريب عدد من مقاتليه على قيادتها والقتال بها، وقيل بل إنها حلَّقت بالفعل بمقاتلى داعش فوق حلب، بما يعنى أنه كان لدى داعش بالفعل طيارون مدربون، أضف إلى ذلك اكتشاف أن لديهم صواريخ مضادة للطائرات مع الأطقم المدربة عليها وقد نجحوا بالفعل فى إسقاط طائرة للجيش العراقى!

واضح أن هذه نقلة خطيرة فى تأزم الموقف أكثر مما هو متأزم!

ثم انظر إلى ما نجح داعش فى تحقيقه على الأرض بعد أن بسط سيطرته على إقليم ممتد على أراضٍ شاسعة من سوريا والعراق، والتى استولى فيها على بعض آبار منتجة للبترول، وراح يضخه فى خط أنابيب إقليمى رغم أنه لا يملك السيطرة العسكرية على طول مساره، ثم أن يجد من يشترى بضاعته على الطرف الآخر من الخط ويدفع له المقابل بمئات الملايين من الدولارات، تشكل جزءاً مهماً من ميزانيته التى تدعمها أيضاً دول عربية بأموال وفيرة أخرى، وفق معلومات منشورة فى الصحف السيارة، ويساعده كل هذا على أن ينفق عن سعة على عمليات التجنيد الواسعة، فى الداخل وفى الإقليم، بل فى أوروبا وأمريكا، وأن يشترى السلاح المتطور والذخيرة، وأن يعتمد أموالاً ضخمة لعمليات التدريب الهائلة، وأن يوفر السلع ومتطلبات الحياة للمدنيين الخاضعين لحكمه، وأن يُشكل إدارات لتسيير الحياة، وأن يُنشئ محاكم للبت فى النزاعات بما يتفق مع شرع الله حسب فهمهم! وكل هذا لا ينبغى الاستهانة به لأنه يجرى فى إطار ما يصرون على أنه دولة! لا يبقى لها بعد هذا إلا أن يَعترِف بها الآخرون!

وكل هذا لا يمكن أن يحدث اعتباطاً، ولا يمكن أن يستمر مصادفة، ولا يمكن لأمريكا وحلفائها أن يعجزوا، إذا أرادوا، عن سحقه! فلماذا الصمت؟!

لقد نتج عن هذه الدوّامة المهلكة التى انزلقت فيها سوريا منذ بدايات العام 2011، أن أخذ فى التراجع عن بؤرة الاهتمام كل ما يمكن أن يعيق إسرائيل أو أن يُنغِّص عليها، ولم يعد هنالك، خارج الوجدان الوطنى، مجال لقضية هضبة الجولان الخاضعة للاحتلال الإسرائيلى منذ حرب 67، حتى لم يعد أحد يتحدث عنها مع التدهور الكامل فى الأوضاع، ومن المُرَجَّح أن يكون هذا من الأسباب الرئيسية وراء هذا الاستنزاف المخطط له إضافة إلى تخريب سوريا وتقسيمها مع استكمال مهمة تدمير العراق، وفى هذا مكاسب لإسرائيل عجزت عن تحقيقها بدخولها مباشرة فى الحرب!

لاحظ أن اسرائيل أعلنت عام 1981 عن ضم الجزء المحتل من الجولان إلى أراضيها بقرار أحادى من الكنيست، ورغم أن العالم اعترض على هذا القرار إلا أن هذا لم يمنعها من إنشاء نحو 30 مستوطنة حتى الآن، بل إن شركات السياحة الإسرائيلية تنقل أفواجاً للانتجاع فى الهضبة تحت حماية الجيش الإسرائيلى!

وأما أمريكا فهى لا تزال تحثّ الجميع على المشاركة فى حرب غامضة الأسباب مجهولة الأهداف مريبة فى كل تفاصيلها!

هذا ثقب أسود يبتلع كل من يتورط فى الاقتراب،ولقد اقترب البعض، وآخرون يترددون، ولم تسلم من ذلك سوى مصر، وهو ما ينبغى تأييده والتشجيع على استمراره.

الحقيقة أن أخطاء حكام سوريا فى قضية الجولان المحتَل قديمة قبل اختراع داعش بعقود من الزمان، عندما لم ينتبهوا إلى أن الواقع دائم التغير وأنه لا يثبت على حال، وأن المقولات الجميلة بلاغةً ليست دائماً صحيحة سياسياً، مثل العبارة التى سادت بلا منطق لسنوات طويلة والتى تقول إنه إذا لم يكن هنالك حرب بدون مصر فليس هنالك سلام بدون سوريا، وتوهموا أنها من قوانين الطبيعة الأبدية وأن على الجميع التعامل معها دائماً كما يُذعِنون لقوانين الجاذبية!

[email protected]
لمزيد من مقالات أحمد عبد التواب

رابط دائم: