كما يقال في المثل الشعبي «خير الكلام ما قلّ ودلّ»، أبهرني ذلك التعريف البليغ الذي وضعه أحد الدكاترة النفسيين لـمرض "جنون العظمة" بأنه «انفصام تام عن الواقع واحتقار مطلق لآراء الناس»، ويردف في وصفه للشخص المصاب بهذا الداء؛ فيقول إنه يعيش دائماً في خيال يدفعه مثلاً إلى ادعاء انتمائه إلى نسب شريف، أو أنه «شيخ» في مهنته، ويحس دائماً بأنه يتعرض لاضطهاد... ويشعر بأنه جدير بالحصول على كل ما يرغب فيه بإشارة من إصبعه، وهي حالة انتشاء قد تكون دفاعاً عن الانهيار أو الإحباط.
هذا الوصف لسلوكيات مثل ذاك الشخص بالجنون، وبالتحديد «جنون العظمة»، ربما هو وصف للمرض بعد استفحاله وسيطرته على الفرد، ولكن دعنا عزيزي القارئ نتعرف على مفهوم آخر لنفس الداء، ولكنه ربما أخف وطأة؛ وأعني هنا مفهوم «التمحور حول الذات»، والذي يصفه معجم المصطلحات الإدارية بأنه «الاتجاه الذي يقوم على الاعتقاد بأن خصائص الشخص أو سماته تفوق خصائص غيره.. الأمر الذي يبعده عن الغير ولا يتقبل آراءهم ووجهات نظرهم أو أفكارهم».
اعتقاد هذا الشخص بتملكه خصائص لا يملكها آخرون يجعل شعوره بالعظمة يترسخ أكثر إذا ما تملك سلطة إدارية.. فالسلطة الإدارية كما يعرفها خبراء الإدارة أنها «القدرة على إجبار الآخرين على تنفيذ مشيئتك حتى إذا كانوا لا يرغبون في ذلك»... إن السلطة هنا هي «افعلها وإلا...».
وأشهر نموذج لمن كان يستخدم السلطة بشكل مفرط؛ تصوّر حكومة مهووسة بجنون العظمة، على قناعة بأن مؤامرات تحاك ضدها من كل جانب، ذلك هو بالضبط الوصف المناسب لحكم الإخوان في مصر، والذي لم يستغرق أكثر من عام واحد؛ إذ عملوا على استبعاد الساسة القادرين على حل مشاكل مصر، وشنوا حرباً على الإدارات التي احتاجوا إليها؛ كي يحكموا البلاد.
وجنون العظمة عندهم لم يأت من فراغ، فقد لاحقت الحكومات المصرية المتعاقبة أعضاء الجماعة على مدى ثمانين عاماً، وقتل زعيمها، حتى أدى نشاطها في (العمل السري) لتكوين عقلية تنظر إلى الجميع كدخلاء يهددون وجودها، ويجب تحييدهم، وهكذا ما إن تسلموا السلطة، حتى سيطرت على زعماء الإخوان عقلية أن خصومهم (يمكرون بهم) ويسعون للإطاحة بهم، وهذا بدوره يفسر اختيار الرئيس المعزول لمعظم وزرائه من أعضاء الجماعة، فضلاً عن عجزه تشكيل ائتلاف حكومي عندما كانت مصر في أمس الحاجة لذلك.
إذن جنون العظمة يدفع بصاحبه – كالساسة والطغاة وأمثالهم- إلى أن يلقى مصير محتوم واحد؛ ألا وهو الهلاك.. وتكون بداية النهاية... وعلى حسب وصف صديق لي إن جنون العظمة قد يدفع بصاحبه إلى الانتحار.. وهذا طبيعي جداً لأن المصير معروف؛ وهو (الفشل)!!
لمزيد من مقالات أحمد مصطفى سلامة رابط دائم: