رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

القضاء الفرنسى يحبس مواطناً هتف «يحيا داعش»

المفترَض أن تقتصر مهام اللجنة العليا للإصلاح التشريعى على ما هو عاجل ولا يمكن تأجيله حتى ينعقد مجلس النواب المتوقَّع الانتهاء من تشكيله وبدء أعماله خلال فترة قصيرة، وسوف يكون على رأس هذه الأعمال البتّ فى كل التشريعات التى صدرت فى غياب البرلمان، والتى يدخل فيها كل ما سوف تقرره هذه اللجنة!

ومن المعروف أن من حق مجلس النواب الجديد أن يتخذ ما يراه بإلغاء أى تشريع مما صدر من السلطات المؤقتة المتعاقبة، أو بتعديله، أو بالإبقاء عليه.

وقد أُعلِن عن مشروعات قوانين كثيرة سوف تُكلَّف اللجنة بإنجازها، ولكن مما لا يَخفَى أن قانون التظاهر هو أكثر القوانين إلحاحاً لما أثاره ولا يزال يثيره من انتقاد داخلى، كما أن الخارج يستغله فى النيل من الثورة وفى وصم نظام الحكم الذى اختاره الشعب بعد الإخوان بأنه انقلاب عسكرى يحكم بالاستبداد ويقهر الخصوم السياسيين.

ولكن هناك مبدأ وطنىا أن أى تغيير إلى الأفضل لا ينبغى أن يتحقق خشية من ضغوط الخارج، ولا بإيقاع يفرضه الخارج، وإنما استجابة للمطالب الشعبية وتلبية لشعارات الثورة التى كان طموحُها أصيلاً فى تحقيق آمال الشعب وعلى رأسها الحريات العامة والخاصة، وبالذات حق التظاهر الذى انتزعه الشعب انتزاعاً من حكم مبارك.

ولقد تبلورت مؤخراً وجهة نظر، فى إطار الحركة الوطنية الديمقراطية التى تُعبِّر عن التيارات المتعددة للثورة، ضد قانون التظاهر، حتى ممن كانوا متحمسين لإصداره، وكان منطقهم آنذاك أن تتمكن الدولة من مواجهة جرائم الإرهاب التى كانت تمارسها يومياً جماعة الإخوان وحلفاؤها، وهذا ما دفع المُشرِّع عند وضع القانون إلى تغليظ العقوبات لتكون رادعاً لمن كانوا يبدءون التظاهر بقطع الطريق وتعمد التخريب للممتلكات العامة والخاصة، وكان عنفُهم يطول المدنيين الأبرياء الذين وقع منهم قتلى وجرحى جرّاء الحرائق واستخدام السلاح المُجَرَّم قانوناً.

كانت هذه ملابسات وضع القانون، ثم دخلنا الآن فى مرحلة جديدة يعترف بها وزير الداخلية شخصياً، حين يُعرِب عن عدم ممانعته فى تغيير القانون، ومن ناحيته، أقرّ الدكتور حازم الببلاوى، رئيس الوزراء عند إصدار القانون، بأن القانون يتضمن عقوبات قاسية وأن الوضع الراهن يسمح بتخفيفها.

وقد حدَّد المجلس القومى لحقوق الإنسان ملاحظاته فى عدة نقاط كان منها: التناقض مع الدستور الذى يمنح الحق فى التظاهر بالإخطار، كما تحفظ على العقوبات المُغلَّظة بالحبس الذى يمتد لسنوات وبالغرامة المُبالَغ فيها!.

ولكن، ولأن الصياغات القانونية عملية محفوفة بالمحاذير، كما يلزمها أعلى درجات الدقة والوضوح، لأن كل كلمة، وأحياناً بعض الحروف، يترتب عليها معانٍ محددة قد لا تتبين إلا مع الزمن، فإن هذا التوافق العام على تغيير القانون غير كافٍ، ذلك أن الرفض وحده لا يضع قانوناً مقبولاً مُعبِّراً عن آمال الثورة متوافقاً مع المصلحة العامة، خاصة وقد انتشرت بعض المفاهيم الغريبة التى تتعامل مع حق التظاهر كصنم يُعبَد لذاته، وليس للأهداف التى بدون التظاهر يصعب تحقيقها، أو اعتقاد البعض أن الحق فى التظاهر حق مطلق لا يخضع لضوابط وإجراءات ينبغى الالتزام بشروطها، كما أن هناك خوفاً من أن تأتى ممارسة الحق أحياناً بخسائر على مستوى المجتمع أو الأفراد، خاصة أن هناك من لا يتبنى فى الثورة إلا مهام الهدم دون البناء، وتتداخل لديه الحكومة مع النظام مع الدولة! .

لذلك من المهم، ونحن بصدد وضع قانون جديد، أن تنتشر المعلومات التى تصحح فهم هؤلاء، ومن ذلك إتاحة تداول الأفكار والقيم والتشريعات والممارسات وأحكام القضاء الخاصة بحق التظاهر وبالحريات المرتبطة به فى الدول الديمقراطية، حتى ينحسر اللغو وتعُمّ المعرفة.

ومن المهم أن تكون الأمثلة من قلاع الديمقراطيات الحديثة. ففى فرنسا، مثلاً، قضت إحدى المحاكم الأسبوع الماضى بحبس مواطن فرنسى 6 أشهر لأنه هتف فى إحدى دور المؤسسات الاجتماعية «يحيا داعش»! وقال إنه يشعر بالسعادة كلما ذُبِح أحد الفرنسيين، وقال إن فرنسا لا تساوى شيئاً! وجاء كل هذا فى لحظة انفعال تلبسته بعد أن ذهب ليتلقى معونته الاجتماعية الشهرية وفُوجِئ بأنها انخفضت عما كان يُصرَف له قبل هذا!.

لاحِظْ أن الرجل كان بمفرده، وإلا لتعاظم مدى الفعل إذا جاء من تظاهرة.

جاء فى حيثيات أسباب الإدانة أنه أشاد علناً بفعل إرهابى، كما أنه أهان الدولة. ولم يشفع للرجل فقرُه وتعطلُه عن العمل، ولا أنه اعتذر أمام المحكمة وأعرب عن ندمه وتراجعه، ولا محاولته إصلاح ما بدر منه بوصفه للإرهابيين بأنهم «أوغاد»! بل إن نائبة المدعى العام أقرّت بأنه ليس للرجل سجل فى الأمن وأنه ليس من النوع الذى يمكن أن ينضم إلى القتال مع «داعش»، ومع ذلك فقد طالبت بحبسه 8 أشهر للأسباب التى اقتنعت بها المحكمة وسجلتها فى حيثيات حكمها، بعد أن خَفَّضت الحبس إلى 6 أشهر فقط.

هذا يثبت أن الحرية لا تعنى الفوضى والانفلات، بل إن كل حق تقيده التزامات، وفى حين تصون الديمقراطية الحقوق فإنها تحددها بشروط فى الأداء. يكفى أن أكثر البلاد ممارسة لحرية الصحافة هى الأكثر حسماً فى قضايا السب والقذف، وهى التى تقضى فيها المحاكم بعقوبات موجعة، تتغلظ إذا ما ثبت سوء نية الصحيفة.

وفى حين أن إصدار قانون جديد للتظاهر أمر عاجل، إلا أنه لا يجوز أن يكون إلا بعد حوار موسع ودراسة متأنية وتشكيل رأى عام على بيّنة بالمحاذير، حتى لا نقع فى أخطاء قد يكون منها قيود تُعطِّل الحق الدستورى، وقد يكون منها ثغرات يحدث منها عنف أو يقع تطاول يدينه التشريع العام.

[email protected]
لمزيد من مقالات أحمد عبد التواب

رابط دائم: