المرتعدون رأوا في المقال المليء بعبارات الكراهية والتهديد رسالة أمريكية شديدة اللهجة لمصر، واقترحوا أن نقول على أنفسنا من الآن "يا رحمن يا رحيم"، لأن من تغضب منه "نيويورك تايمز" مصيره أسود، فالصحيفة لها كلمة مسموعة لدى صانع القرار الأمريكي، فهي إحدى رؤوس حربة القوة الناعمة التي ترسم سياسات واشنطن الخارجية تحديدا.
نظريا، قد يكون ما سبق صحيحا، لكن عمليا، المقال في حد ذاته لا يستدعي كل هذا الذعر، على الأقل بالنسبة لنا، فنيويورك تايمز ورفيقاتها من الصحف الأمريكية الأخرى، والبريطانية أيضا، تكتب بنفس الطريقة يوميا، وكتبت ما هو أسوأ، ومعظم ما كتبته طوال عام ونصف العام كان مكانه الطبيعي سلة المهملات، لما يحتويه معظمه من عجرفة وسذاجة وسوء تقدير وقلة نزاهة ومعلومات خاطئة ومضللة.
حتى وكالات الأنباء العالمية التي يفترض أنها أكثر حيادا بثت وتبث ما هو أردأ، فالمصريون في نظرهم "مساكين" لأنهم فضلوا الاستقرار على الحرية، ومصر في نظرهم ليست سوى سجناء وقانون تظاهر واستبداد، ولقاء الرئيس وأوباما لم يبحث سوى قضية صحفيي "الجزيرة"، وحتى مشروع قناة السويس لم يهتموا به إلا عندما اصطدمت سفينتان، وعندما حدثت مشكلة طابع قناة بنما "التافهة"، وقبل أسبوعين، بثت وكالة أنباء محترمة تقريرا يتحدث عن "عودة نظام مبارك" يستند إلى تصريحات شخص واحد فقط ينتمي إلى حزب مجهول أعتقد أنه لو حاز 1% في أي انتخابات لكان عليه أن "يبوس إيده وش وضهر"!
وبسبب هذا التضليل، تبدو سياسة أمريكا الخارجية مرتبكة ومتخبطة، فلم تقدر على التنبؤ لا بـ25 يناير ولا بـ30 يونيو، ولا بطفح "بالوعة" داعش في المنطقة، لا بأي شيء، وما زال الارتباك مستمرا، والبركة في نيويورك تايمز وأخواتها!
فهل هذا "إعلام" يمكن أن نعمل له حسابا؟!