رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

ســنغافورة.. «بلد شــهادات»!

هانى عسل
ليس مهما أن يكون اسمها سنغافورة أو »سينجابور«، وليس مهما أن يكون أصل تسميتها »مدينة الأسد« أو »مدينة النمر«، وليس مهما أن يكون شعارها الوطنى »إلى الأمام يا سنغافورة« أو حتى »إلى الخلف يا سنغافورة«، وليس مهما أن يكون مثلها الأعلى - تاريخيا - هى الإسكندرية أو بومباي، فهذه من شئون المحللين الهواة، أو المتحذلقين.

ولكن الأهم حقا هو أن نعرف كيف أصبحت هذه المدينة «الدولة» واحدة من أقوى دول العالم اقتصاديا، ورابع أكبر مركز مالى فى العالم، وصاحبة خامس أكبر ميناء على وجه الأرض، وصاحبة قانون الضرب بالعصا لمن يلقى مهملات على الأرض، وكيف أن مواطنيها الخليط من الصينيين والمالايو، الذين يعيشون فى ثالث أكبر دول العالم من حيث الكثافة السكانية، رغم أن عددهم لا يزيد على خمسة ملايين نسمة، أصبحوا يتمتعون الآن بثالث أعلى متوسط دخل للفرد فى العالم، برصيد 62 ألف دولار سنويا، وذلك بعد أن كان 500 دولار فقط قبل الاستقلال عام 1965!


 

فور خروجها من الاتحاد الماليزي، توقعوا لها الفشل، بل كانت ماليزيا تنتظر هذا الفشل لتعيدها مرة أخرى إلى سيادتها، ولكن جاء لى كوان يو - خريج كامبريدج - أول رئيس لوزراء سنغافورة بعد الاستقلال، ليضع خطة النجاح التى تقوم على أساس : 1 + 1 = 2، فبعد أن اعتمد لسنوات على السياحة لإنعاش الاقتصاد وتشغيل الشباب، اتجه سريعا إلى التعليم وتحديد النسل وبناء المصانع التى تعمل فى كافة المجالات، واعتمد فى خططه الاقتصادية على النخب العلمية، واتبع قاعدة »البقاء للأكفأ« أو »الحكم للأكفأ« بموجب الشهادات العلمية والقدرة على ترجمة هذه الشهادات إلى إنجازات واقعية فى شتى المجالات، وألغى تماما كل أنواع التمييز بين المواطنين على أساس اللغة أو الدين أو الطائفة، وطلب من النخب العلمية التى استعان بها فى كل مجال نقل كل سياسات الحداثة التى تعلموها فى الجامعات المختلفة، وبخاصة الأوروبية والأمريكية، إلى سنغافورة، كما اختفت كل النصوص التمييزية من الدستور والقوانين، وبنيت البلاد على أساس التعددية العرقية، بل محو فكرة التعددية تماما وتناسيها من الأساس.

ولهذا، يطلق على لى كوان يو ألقاب عديدة تستحق ما قام به من نجاح مثل »الديكتاتور الرشيد« أو »مؤسس سنغافورة الحديثة«، »الشيوعى الذى أصبح أنجح مخططى الرأسمالية«، وعلى الرغم من أن البعض يعتبرون أن سنغافورة تدار بعقلية الشركات الكبري، وأن لى كوان يو هو رئيس مجلس إدارة هذه الشركة أو مؤسسها، فإنه فى الوقت نفسه سياسى قوى ومحنك، ويذكر له التاريخ أزمته الشهيرة التى وقف فيها فى وجه الولايات المتحدة فى التسعينيات لإصراره على تطبيق عقوبة الجلد بالعصا على مراهق أمريكى لطخ جدران المدينة!

ولأن سنغافورة توصف بأنها »جنة الاستثمار« فى العالم، فمن الطبيعى أن يكون السبب هو أن لى كوان يو أنشأ ما يسمى بهيئة التنمية الاقتصادية لتصبح الجهة الوحيدة للتعامل مع المستثمرين الأجانب، وذلك لتسهيل مهمة الجهات المستثمرة بدلا من تعاملها مع عدد كبير من الجهات، وقدم لهذه الهيئة وللمستثمرين غطاء قانونيا كافيا يتضمن امتيازات ضريبية للمستثمرين وضمانات قانونية بحماية أعمالهم وأنشطتها، تماما مثلما تقول كتب الاقتصاد المتقدمة على أرفف جامعات أمريكا وأوروبا.

وأقامت سنغافورة علاقات تجارية وطيدة مع كافة الدول المجاورة بما فيها ماليزيا، وكذلك الصين وهونج كونج وكوريا الجنوبية والهند ودول الخليج العربي، وأقامت الكثير من الصناعات التحويلية، وتعد سنغافورة بطبيعة الحال أقوى المؤيدين لمنظمة التجارة العالمية، ومن أكثر داعمى التوجه العالمى نحو تحرير التجارة.

وليس غريبا القول إن كل الأزمات التى واجهتها سنغافورة، سياسيا واقتصاديا وحتى صحيا، ساعدت على تقوية شوكتها، فخروجها من الاتحاد الماليزى كان فاتحة خير عليها، وانسحاب القوات البريطانية من الجزيرة ساعدها على استقلالية القرارات وفى الوقت نفسه الاستفادة من الخبرات والتجارب البريطانية، كما أن موقعها الجغرافى كقطرة صغيرة فى فنجان وسط وحوش آسيا الكبار، جعلها تحرص على إنشاء جيش قوى متطور يعد من أفضل جيوش العالم تسليحا. وحتى مشكلة الأزمة المالية الآسيوية فى 1997 وأزمة انتشار مرض سارس فى 2003 والتهديدات الإرهابية فى 2004 لم تفت فى عضد الدولة الصغيرة، بل زادتها قوة.

وليس من باب المزاح أن نقول إن عدم وجود معارضة سياسية قوية فى سنغافورة منذ الاستقلال وحتى عام 1981 كان من أهم أسباب استقرار البلاد ونهضتها سريعا فى صمت ودون مشكلات وأزمات وصراعات.

ويرجع ذلك تاريخيا إلى عام 1965 عندما عقد برلمان لسنغافورة أول اجتماع له وقاطعته المعارضة التى كانت تزعم وقتها أن «الاستقلال كان زائفا»، مما دفع النواب المعارضين للاستقالة ثم الهروب من سنغافورة والإقامة فى الخارج، وهكذا أتيحت للحكومة وقتها رسم وتنفيذ الخطط الاقتصادية التى أرادتها دون أدنى مشكلات، وحتى لا يقهم البعض هذه المعلومة بطريقة خاطئة، يكفى القول إن منظمة الشفافية الدولية دائما ما تختار فى تقاريرها سنغافورة على رأس قائمة الدول الأقل فسادا فى العالم.

والأدهى من ذلك أن سنغافورة قدمت أفضل نماذج التوريث، فرئيس وزرائها الحالى هو لى هسين يونج الذى تولى السلطة عام 2004، وهو الابن الأكبر لـ «لى كوان يو» الذى وصل إلى الحكم بكفاءته أيضا، بينما اكتفى الأب - 90 عاما الآن - بأن عين نفسه مستشارا فى منصب «الوزير المعلم» أو «الوزير الموجه» للحكومة من خلال العديد من المناصب الوزارية المتعاقبة!

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق