ويأتي ذلك في ظل عدد من المتغيرات التي تتمثل في تزايد عدد مستخدمي الانترنت وتصاعد حجم الأخطار المرتبطة بالشبكات الاجتماعية ،والتي برزت كعنصر تهديد جديد للأمن القومي سواء من قبل أجهزة استخبارات دولية أو جماعات إرهابية أو باستخدامها في القرصنة والجريمة الالكترونية.وتزامن ذلك مع تحولها لمنصة هامة للرأي والتعبير،وفي ظل عملية التحول في طبيعة الحقوق والحريات.
وأصبحت طريقة تعامل الدول مع الشبكات الاجتماعية تؤشر لدرجة التحول السياسي والديمقراطية بها،ومدى التزامها بالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان وبخاصة مع تأكيد الأمم المتحدة على أن حقوق الإنسان في العالم الرقمي يجب أن تكون محمية ومصانة بنفس القدر الذي تحمى به حقوق الإنسان في العالم المادي.
ومثلت الشبكات الاجتماعية تطورا هاما في أدوات الرأي والتعبير عبر الانترنت مع الحرية التي تتيحها في نقل المعلومات وتدفقها ،ودورها في التعبير عن كافة الاتجاهات والأفكار داخل المجتمع وهو ما كشف عن بيئة إعلامية جاذبة عملت على اتساع عدد المشاركين وحجم القضايا والموضوعات التي يتم تناولها بغية التأثير في الرأى العام،ويستخدم 25 % من مستخدمي الانترنت الشبكات الاجتماعية البالغ عددهم ما يزيد عن 37 مليون .وهم من فئة الشباب الأكثر نشاطية ومعاناة .
وعلى الرغم من دور الشبكات الاجتماعية الايجابي في مسيرة التغيير و الإصلاح خلال المرحلة الانتقالية وفي كل من موجتي التغيير في 25 يناير و30 يونيو، إلا أنها كشفت عن دور سلبي أصبح يتزايد مع ضعف المواجهة وقلة الوعي وأصبحت تصيب تلك الآثار طبيعة العلاقة بين الدولة والمجتمع عبر نشر اتجاهات عدم الثقة والتأثير السلبي في بنية المجتمع، وأتاحت البيئة الالكترونية المفتوحة والعابرة للحدود الفرصة امام أطراف خارجية في التدخل في الشئون الداخلية.واستخدمت الجماعات الإرهابية الشبكات الاجتماعية كمنصة إعلامية جديدة لما توفره من سهولة في تدشين حسابات وصعوبة الحجب من قبل الدولة والعمل على اختراق للقاعدة الشبابية،ويتم استخدام الشبكات الاجتماعية في شن الحملات الالكترونية المغرضة،ويتم استخدام الصور والفيديوهات المتحيزة لوجهة نظر معينة لشحن الرأي العام والتي قد يتم تركيبها أو اختلاقها أو إعادة استخدامها بشكل يؤثر في تحريك الأحداث.وفي شن الحروب النفسية و نشر الشائعات التي قد تضر بالمصالح القومية بغية التأثير على الاستقرار الداخلي،
وأصبح الارتباط المتزايد للأفراد بالخدمات التكنولوجية يعطي قابلية التعرض للاستخدام غير الآمن لمعلوماتهم الشخصية والتي تنتج جراء نشاطهم الالكتروني في العديد من المواقع والخدمات والشبكات والاتصالات، وهي بمثابة كنز هام تلهث من ورائه الشركات التجارية لاستخدامها في الهندسة الاجتماعية أو من جانب أجهزة الاستخبارات الدولية للاستفادة منها للتأثير على توجهات الأفراد ثم التأثير في المجتمعات والدول.
وأصبح الواقع المصري يشير إلى استخدام الشبكات الاجتماعية في جرائم الابتزاز والسرقة وانتحال الشخصية وتشويه السمعة والسب والقذف ناهيك عن الأعمال المنافية للآداب ونشر أفكار هدامة داخل المجتمع.وهناك تأثير أخر يتعلق بإهدار الوقت والقوة البشرية لملايين من الشباب المصري وتأثيره على قيمة العمل والإنتاج و الأسرة والعلاقات الاجتماعية. وتفرض تلك التحديات الجديدة الموازنة بين الحق في الاستخدام والحيلولة دون ان يمثل تهديد لأمن المجتمع،وهوما يدفع إلى أهمية وجود ضوابط تحكم عملية الاستخدام وترشده،وأن يتم التعامل مع تلك الأخطار وفق خصائصها المتميزة،وهو ما يحتاج لإستراتيجية شاملة لا تركز فقط على الحل الأمني بل تأخذ في اعتبارها كافة الأبعاد الأخرى كالأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المرتبطة مثل العمل على مواجهة البطالة وتفشي الأمية ومواجهة الفقر،ولعل أهمها هي قضية صناعه التكنولوجيا وبخاصة مع تحالف الأجهزة الأمنية الكبرى بشكل أو بأخر مع الشركات التكنولوجية في مجال البرمجيات أو الأجهزة التي تصنعها وتحتكرها.وهو الأمر الذي يجعل الدول المستهلكة عرضة للخطر سواء ما يتعلق بأمن مواطنيها او التعرض للهجمات الالكترونية ضد منشآت الدولة الحيوية،وهو ما يتطلب إدخال الفضاء الالكتروني ضمن إستراتيجية الأمن القومي،وأن تستهدف كل مصادر الخطر لقيم المجتمع وليس النشطاء السياسيين،وأهمية العمل على الحفاظ على الحريات والخصوصية،وبخاصة مع نص الدستور المصري في المادة «57» في فقرتها الثانية على حماية المراسلات الالكترونية والهاتفية وسريتها ، وتؤكدها المادة «99» باعتبار الاعتداء على الحقوق والحريات جريمة لا تسقط بالتقادم. ويأتي إلى جانب ذلك تحديث الإطار القانوني الذي يحافظ على خصوصية الأفراد وأمنهم بتبني قانون مكافحة الجريمة الالكترونية وحماية المعلومات الشخصية،وأهمية دور الفرد في تحمله المسئولية وتنمية ثقافته حول الاستخدام الآمن ،و تعزيز دور المجتمع المدني والإعلام في نشر الوعي،والرقابة القضائية والبرلمانية على أداء الأجهزة الأمنية،ونشر ثقافة امن المعلومات ،وهو الأمر الذي يفرض أهمية الاستثمار في تنمية صناعه التكنولوجيا وثقافة الإبداع والابتكار لدي الشباب بدلا من الاستثمار في مجال برامج الرقابة والتجسس.