وحتى يومنا هذا أيضا ، يتذكر الكوريون كيف تعامل أجدادهم مع الكلاب على أنها المصدر الوحيد للبروتينات فى ظل استخدام أنواع الماشية فى حرث الأراضى الزراعية لتوفير المحاصيل اللازمة للشعب الجائع إبان فترات البؤس والقحط ، سواء أثناء الحرب الكورية من 1950 إلى 1953 ، أو فى مرحلة الانقلابات والاغتيالات السياسية التى كانت أكثر السمات المميزة للقرن العشرين بصفة عامة فى كوريا.
الأجيال الحديثة فى اليابان وكوريا الجنوبية تدرك تماما حجم المعاناة التى تكبدها أجدادهم فى سبيل بقاء البلدين على قيد الحياة، وهذه الأجيال توقن تماما أن سنوات المعاناة هذه هى البطل الحقيقى الذى كان له الفضل فى انتقال البلدين من أنقاض الحروب والانقلابات والفقر إلى قمة الإبداع والتكنولوجيا والتنمية ، ولم يكن وراء هذا الفضل قائد ولا زعيم ولا حزب.
وإذا حاول أحدنا سؤال يابانى عن "سر العبقرية اليابانية" ، أو سؤال كورى عن السر وراء "معجزة نهر هان" ، سيجد الإجابة واحدة وهى "احترام الكبار" ، فاليابانيون والكوريون معا يدركون أن بلديهما لم يحققا ما حققتاه بقائد أو زعيم أو حزب ، ولكن بفضل شعب وجيل ذى مواصفات خاصة ، جيل نجح فى نقل اليابان من دولة مدمرة عسكريا ومعنويا بعد سحقها بالقنبلة النووية إلى واحدة من الدول الصناعية الكبرى فى العالم ، وفى نقل كوريا الجنوبية من دولة متلقية للمساعدات الدولية فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى إلى دولة مانحة.
ويشعر أبناء الجيل الحالى من اليابانيين والكوريين بالفضل والامتنان فى الرغد الذى يعيشونه لآبائهم وأجدادهم الذين ضحوا وعانوا وواجهوا أهوال الحروب والانقلابات والاغتيالات إلى أن وصلت الدولتان إلى ما وصلت إليه من رغد هذه الأيام، فأصبح متوسط دخل الفرد فى اليابان حاليا يتخطى 36 ألف دولار سنويا ، بينما يزيد متوسط دخل الفرد فى كوريا الجنوبية على مدى 32 ألف دولار سنويا، وهما من أعلى المعدلات العالمية.
ولا يمكن القول على الإطلاق إن ما حققته اليابان وكوريا الجنوبية حدث بفعل النظام الرأسمالى أو بفضل الديمقراطية ، ولا حتى بفضل زعيم أو قائد كما سبق الذكر ، وإنما بفضل شعبين تحملا الأحداث الجسام والتنازلات المؤلمة، ولعلنا ندرك ذلك من خلال تلك الصورة الشهيرة التى انتشرت فى الآونة الأخيرة على مواقع التواصل الاجتماعى ويظهر فيها تلاميذ فصل مدرسى يابانى فى مدينة هيروشيما وهم جالسون فى أحد شوارع مدينتهم المدمرة يتلقون الحصة الدراسية مع مدرسهم غداة ضرب المدينة بالقنبلة النووية مباشرة ، ففى هذه الصورة أفضل تعبير عن قوة الشعوب التى تعرف كيف تنهض من كبوتها سريعا.
فاليابانيون والكوريون أظهروا أن التغيير لا يمكن أن يحدث إلا بقوة الشعوب وعملها وكفاحها وسعيها لأن تكون شعوبا منتجة كما وكيفا، لا شعوبا تشكو وتسخط فقط!