تبدو الجامعات بما تملكه من خصوصية شديدة وميراث تاريخي مع الحرس الجامعي بيئة جيدة لنشاط الإخوان,
وهم يتعاملون مع هذا الملف بذكاء سياسي عكس تعامل الدولة معه, التي وضعت التعامل الأمني خيارها الأول.
كأنهم وجدوا ضالتهم المنشودة داخل أسوار الجامعات, من خلال وجود متماسك أسسوا له منذ سنوات بعيدة ظهرت قوته بعد انحسار شعبيتهم داخليا وخارجيا, وعقب زيادة شعبية الفريق أول عبدالفتاح السيسي, وتغير نظرة العديد من الدول الغربية للأحداث الأخيرة في مصر التي كانت تزعم أن30 يونيو انقلاب عسكري, لتعلن تأييدها لخارطة الطريق, بل أكدت إحداها أنها لاتري ما يمنع الفريق السيسي من ترشحه لرئاسة الجمهورية, وأن ذلك لا يعني مطلقا أن ما حدث كان انقلابا. كما أن تدفق قدر جيد من الاستثمارات الخليجية علي مصر يعني المزيد من فرص العمل في مجالات عديدة, بالاضافة لعودة الروح مرة أخري إلي الأسواق المصرية. كل هذه العوامل وغيرها, جعلت جماعة الإخوان تركز جل اهتمامها علي الجامعات لبلبلة الأوضاع وزعزعة الاستقرار. وفي هذا السياق سنحاول قراءة المشهد الطلابي المتأزم الآن.
تحتل جامعة الأزهر صدر المشهد الحالي لأنها الأشد تأثيرا, لكثرة عدد طلابها المنتمين للإخوان ومن بعدها تأتي جامعات أخري, وبنسب متفاوتة. وتظهر قوة الأحداث في جامعة الأزهر من خلال قدرة الجماعة علي حشد عناصرها للتظاهر الذي يبدأ سلميا وينتهي دمويا. وهنا لابد من التذكير أن عددهم الحقيقي داخل الجامعات أقل كثيرا مما يصورون للناس, بدليل نتائج انتخابات اتحاد طلاب الجامعات الأخيرة, جاءت مخيبة لآمالهم, مما يوضح تراجع قوتهم داخل الجامعات, وذلك في عز سيطرتهم علي الحكم, وهو ما يحفزهم إثبات عكس ذلك.
مع اقتراب موعد الاستفتاء علي الدستور, تسعي جماعة الإخوان إلي تجيش أعضائها ومحاولة استخدام كل الأسلحة غير المشروعة, من أجل تفشيل عملية الاستفتاء, أو السعي علي أمل أن تكون النتيجة لا لإقناع العالم بأن الشعب رافض للسلطة الحالية للايحاء بأن ما حدث انقلاب وليس ثورة. ولن يتأتي ذلك إلا من خلال أمرين. الأول, حشد الناس ضد الدولة متمثلة في الداخلية من خلال تصويرها علي أنها تقتل طلبة الجامعات, والمثل الأقرب شهيد هندسة القاهرة الذي توفي إثر إصابته بطلقات خرطوش, ولم يتم التوصل للجاني الحقيقي حتي الآن, لكن وجهت كل السهام تجاه الداخلية, علي الرغم من تبرئة تقرير الطب الشرعي لها. وازداد الوضع تعقيدا بعد وقوف رئيس جامعة القاهرة بجانب طلابه, ولم يسلم هو الآخر من هجوم طلبة كلية الهندسة حينما ذهب يطالبهم بعودة الدراسة وفض اعتصامهم. إذن المخطط معروف والهدف واضح, إصابة الجامعات بالشلل وتأكيد علي حالة استعداء الداخلية. أما الأمر الثاني, فهو يتعلق بالسعي إلي إشاعة أجواء عامة من الغضب داخل نفوس الناس, علي أمل أن يكون التعبير عنها, إما بمقاطعة الاستفتاء, أو بالتصويت بـ لا. وفي الحالتين تعتقد الجماعة أنها ربحت سياسيا.
ما أقوله ربما يكون معلوما لكثيرين, مع ذلك ما تفعله الدولة من تصرفات يعضد موقف الإخوان, فمن المؤكد أن الشرطة حققت طفرة ايجابية في علاقتها بالمواطنين, وهي ليست بالغباء الذي يجعلها تضحي بتلك الطفرة, ولا من مصلحتها أن يكون قاتل طالب هندسة القاهرة بأيديها. في المقابل هناك رأي مخالف يقول إنها فعلت ذلك كرسالة تحذير توجهها لطلبة الجامعات, فحواها أنها لن تتهاون في مواجهة المظاهرات داخل أسوار الجامعة, ومصممة علي استعادة الهدوء بأي ثمن.
الواقع أن هناك دعوات تخرج علي استحياء من داخل الجامعات تطالب بعودة الحرس الجامعي مرة أخري, وهو ما يؤيده البعض باعتباره حلا مبدئيا لإحكام السيطرة علي كل ما يدخل إلي الحرم الجامعي, فلا يدخل بلطجية أو أسلحة, ويقتصر دورهم علي عملية تأمين الطلبة والمنشآت فقط دون دخول الحرم الجامعي, لكن مع الميراث السييء له و الصورة الذهنية السلبية عنه تتخوف الدولة من عودته رغم اللجوء إلي الشرطة في فض المظاهرات داخل الجامعة!
إنها معادلة صعبة, مع ذلك فالعلاج أمامه طريقان. أولهما العاجل, ويتمثل في عودة الحرس الجامعي بأسرع وقت ممكن مع رسم دوره بدقة شديدة ووضوح, علي الا يتجاوز أسوار الجامعة, وأنه فقط لتأمين الطلاب والمنشآت. وثانيهما الآجل ويتمثل في إطلاق الحرية السياسية داخل الجامعات من خلال قانون يحدد العلاقة بين الطلبة وجامعاتهم وأن نبدأ في تنفيذه من الآن مع استفتاء الطلبة عليه. ولا يضيرنا شيء من استفتاء الطلبة أيضا علي عودة الحرس الجامعي بدوره المشار إليه مسبقا, أمر آخر غاية في الأهمية لإكمال الطريقين السابقين, وهو أن من يثبت اتهامه من الطلبة بالقيام بأعمال تخريب, أو شغب يتم فصله من الجامعة والحاقه بالقوات المسلحة.
الأيام القادمة قد تحمل في أحشائها بعض المشاهد المتبقية من فيلم حرق مصر التي تسعي جماعة الإخوان المسلمين للوصول إليه. ومن المتوقع أن يخرج الاستفتاء علي الدستور بنعم بنسب كبيرة تسد عين الشمس, ولأنهم يتوقعون ذلك سيفعلون أقصي جهدهم لزيادة جرعة الارتباك, لذا علي الدولة أخذ الاحتياطات اللازمة لقطع الطريق علي أي سيناريو خبيث يخفيه الإخوان.
[email protected]لمزيد من مقالات عماد رحيم رابط دائم: