منذ توقيع معاهدة كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل برعاية الولايات الأمريكية, بما تضمنته بضرورة تقديم مساعدات أمريكية سنوية لمصر, دأبت الأخيرة علي فرض
وصايتها الدائمة علي كل ما يخص الشأن المصري, وكانت المعونات التي تقدمها هي ورقة الضغط الي تلوح بها من حين لآخر.
في البداية نجحت في التحكم و لو بشكل ظاهري في نوعية تسليح القوات المسلحة المصرية حتي تؤكد ضمان التفوق العسكري لإسرائيل, وحينما كانت تفاجأ بأي دور تجاه تطوير او تحديث نوعية السلاح يكون رد الفعل عنيفا, و لعل بعضنا يتذكر محاولة تطوير أحد الأسلحة إبان تولي المشير ابو غزالة مسئولية وزارة الدفاع و ما حدث بعدها!
فمنذ رئاسة كارتر مرورا بريجان و بوش الأب و كلينتون و بوش الابن وصولا لأوباما تباينت قوة العلاقات بين البلدين صعودا و هبوطا طبقا لمدي استجابة مصر المتمثلة في شخص الرئيس للطلبات الأمريكية. وكانت اكثر الفترات هبوطا في الأوقات السابقة في أثناء الولاية الثانية لبوش الإبن, و رغم ذلك كان التلويح بوقف المعونات العسكرية مجرد تلويحا فقط خاصة داخل دوائر صنع القرار هناك.
في ذلك الوقت كانت التفسيرات التي تخرج من أي من الجانبين يمكن قبولها في اطار طبيعة العلاقات و اهميتها بين البلدين, اما ما يحدث اليوم في ظل أجواء سياسية سريعة التغير, تثير تحفظا يحتاج الي تفسير.
فقرار تجميد المعونات العسكرية لمصر يجئ بعد التلويح به اكثر من مره كالعادة, كما يجئ بعد اعتراف أوباما بفشل الرئيس المعزول في ادارة البلاد, و قبول ما حدث مؤخرا في مصر باعتباره خروجا شعبيا علي الحاكم و ليس انقلابا عسكريا, بالإضافة الي تحفظ وزيري الدفاع و الخارجية الأمريكيين علي هذا القرار, وربطه البعض بقرار حل جمعية الإخوان المسلمين ليؤكد الشكوك القائلة بوجود رابط قوي بين أوباما و التنظيم الدولي للإخوان.
بإستعراض الموقف الراهن في الشرق الأوسط الآن يتضح بشكل جلي ضعف النفوذ الامريكي في المنطقة, خاصة بعد تراجع الرئيس الأمريكي عن قراره بتوجيه ضربة عسكرية لسوريا في وقت سابق, وظهور روسيا بشكل واضح وقوي في المنطقة, و هو ما انكشف في الأزمة السورية الأخيرة, لذلك لا يوجد معني محدد لتجميد المساعدات العسكرية الآن سوي الضغط علي المؤسسة العسكرية لقبول الطلبات الأمريكية الخاصة بالمصالحة الوطنية, و هو ما يعني في الوقت نفسه الرضوح لطلبات الإخوان التي اعلنوها لوقف العنف وقبول الأمر الواقع وهو ما ترفضه مصر جملة وتفصيلا حتي الآن, ومن ثم سيكون هناك اتجاهان لا ثالث لهما الأول مصري وهو رفض الضغط الأمريكي من خلال ايجاد بدائل سريعة تتمثل في توفير المتطلبات العسكرية العاجلة من مصدر آخر وهو امر يسهل توفيره من بعض الدول الصديقة أو من خلال شركات السلاح الأمريكية العملاقة, ثم الاتجاه شرقا لتوفير مصدر بديل للتسليح, وهو الأمر الذي بات مطلوبا بشدة في الوقت الحالي لتقدم مصر رسالة قوية مفادها عدم الإعتماد مرة اخري علي الولايات المتحدة الأمريكية وتتغير معادلة العلاقات بين البلدين تغيرا كليا, وهو ما لا يصب في صالح الأخيرة التي تتعامل مع الشرق الاوسط علي أنه جزء استراتيجي مهم من العالم تمتلك معظم ادوات التحكم به, لضمان امن اسرائيل, كانت مصر هي حجر الزاوية فيه لأسباب عديدة اهمها موقعها الجغرافي.
الاتجاه الثاني, أمريكي, و أمامه خياران الأول, الاستمرار في وقف المساعدات العسكرية, وما يستتبعه من استمرار توتر العلاقات بين البلدين و هنا لابد من ملاحظة امر مهم, قد تكون تلك الولاية هي الثانية والأخيرة بالنسبة لأوباما ولكنها ليست كذلك بالنسبة لحزبه بخلاف الضغوط التي يواجهها أوباما من البنتاجون الذي يعارض فكرة وقف المساعدات العسكرية لمصر, نظرا لأهمية العلاقات العسكرية بيننا وهو ما عبر عنه هاجل أكثر من مرة بشكل صريح, اما الخيار الثاني, تراجع الإدارة الأمريكية عن تنفيذ قرار تجميد المساعدات العسكرية وهو الأمر المتوقع حدوثه قريبا, و سيكون من خلال تصريحات تؤكد رضاء أمريكا عن الخطوات التنفيذية لخارطة الطريق وما شابه ليتأكد للمتابعين ازدياد التخبط الأمريكي في الآونة الأخيرة تجاه منطقة الشرق الأوسط.
نخلص مما سبق لأمرين غاية في الأهمية أولهما تجديد الثقة الكاملة بالقوات المسلحة المصرية ـ أفرادا وقيادة ـ التي تثبت دوما انتماءها الكامل والمطلق للوطن بعد رفضها للضغوط الأمريكية مما جعلها تقرر تجميد المساعدات العسكرية علي وجه الخصوص.
الأمر الثاني, التأكد من أن الولايات المتحدة لم تتعلم من أخطائها في الماضي فقد دعمت بعض الجماعات الإرهابية لتحقق أحد أهدافها ثم انكوت بنارها فيما بعد, اليوم تخطئ خطأ جديدا من خلال اصرارها علي فرض وصايتها علي المصريين دون النظر الي المتغيرات التي طرأت علي الساحة المصرية فقد تصدر المشهد رجال مخلصون لوطنهم فقط, وهو الأمر الذي يجب ان يستوعبه صناع القرار في أمريكا والا فالأيام القادمة ستحمل لهم مفاجأت كما حملت الأيام السابقة.
[email protected]لمزيد من مقالات عماد رحيم رابط دائم: