لا أصدق هذا النجاح الرائع الذي أقدمت عليه جماعة الإخوان المسلمين خلال هذا العام؛ والذي تمثل في العديد من القرارات والتعيينات وتولي العديد من المهام المختلفة وتكريس الإخوان في كل مكان؛ ليثبتوا أنهم قادرون فقط بجماعتهم على إدارة شئون البلاد.
وفي الحقيقة وقبل أن تتعجل بالدهشة والاستغراب من قراءة هذه السطور، أحب أن أحدثكم عن هذا النجاح؛ وهو أنهم نجحوا فيما لم تستطع الأنظمة السابقة التي حكمت مصر أن تظهرهم كما يبدون، وينكشفوا على حقيقتهم، فمهما حاول الملك فاروق من إقصائهم، وأدخلهم عبد الناصر المعتقلات، وزج بهم السادات في السجون، وراوغهم نظام مبارك ما بين الإقصاء والسماح والمداهنة والتمكين النسبي للحياة السياسية، إلا أن الرئيس السابق مرسي وجماعته استطاعوا أن ينجحوا في إظهار صورتهم الحقيقية للشعب دون "مسكنة" أو شكوى؛ من كونهم الجماعة المقهورة التي تحارب من قبل الأنظمة.. وبعدما قدموه للشعب المصري من محاولات لتمكين أفرادها، وتهميش وإقصاء كل شريف ومدافع عن الثورية والحرية.. أحب أن أقول لكم... ألف شكر. وفي هذا الصدد سمح الفريق عبد الفتاح السيسي -بذكاء يحسد عليه- بإذاعة خطاب الرئيس مرسي قبل عشية عزله بيوم؛ لإظهار مدى تفكير التنظيم وما يحملونه من عنف وتهديد ووعيد.
وبما أن مصر هي العقل المدبر للجماعة، والأم التي تحتضن فروعها وأذرعها في كل أنحاء العالم، فمن الجيد أنها لن تقوم لها قائمة؛ باعتبارها أصبحت كيانا غير موثوق فيه، وسيكتب التاريخ أنه مهما كان مبارك، وكل ما ظهر خلال سنواته العشر الأخيرة من فساد، إلا أنكم تفوقتم عليه في كره المصريين لكم في سنة واحدة فقط.
ومن أهم اللمحات الإيجابية في حكم الإخوان أيضاً خلال هذا العام المشئوم - وأحب أن أوجه لهم الشكر مرة أخرى- أنهم استطاعوا أن يوحدوا صفوف الشعب مرة أخرى، وأن تنضم منظومة الشرطة ووزارة الداخلية إلى حضن الشعب من جديد على نحو تعلمت منه كيف يكون الخاسر عندما ينحاز للنظام دون الشعب، وأعتقد أنهم تلعموا الدرس جيدا، ولن يحيدوا عنه، ورحب الشعب بهم في ملحمة لا مثيل لها، وأثبت القضاء على شموخه وعزته، وسيسجل التاريخ أنه أبى أن يطوّع لخدمة سلطان أو حاكم، رغم عدم مقدرة العديد من وسائل الإعلام -خاصة المقروءة- على فعل ذلك، وارتضت بالتغيرات الإخوانية، وحاولت تقويضها، إلا أن العزة والإيمان بالمهنة والروح الحرة الثورية أهم فعلا من التطويع والانتظار لما سيحدث.
ما حدث ليس درساً فقط لأي رئيس قادم -وعليه أن يعيه جيدا- بل درس للإدارة الأمريكية التي طالما تسعى وراء مصالحها بشكل مستفز وسافر، لدرجة أنها رغبت وبشدة في استمرار عصابة الدكتور مرسي لإدارة شئون البلاد، والتحكم في العباد.. فقط من أجل تحقيق مصالها وتأمين أهداف إسرائيل في المنطقة، بل وذلك على غير رغبة الشعب الذي أبى استمرار تلك الجماعة التي استغلت مصر على نحو غير مسبوق, ومن يقرأ تصريحات وزير الدفاع الأمريكي قبيل 30 /6، والذي أكد باسم الإدارة الأمريكية أنهم يدعمون مسار الديمقراطية والشرعية في مصر، وأن علينا إعطاء الرئيس مرسي الفرصة في استكمال ما أسموه بالمسار الديمقراطي, وما تلته هذه التصريحات بما قالته السفيرة الأمريكية" آن باترسون" حول تدعيم أمريكا لمسار الديمقراطية والشرعية، وهي الكلمة التي بات يرددها الرئيس المخلوع في خطابة لـ56 مرة، وتمسك بها، فضلا عن المقابلات الخفية التي تمت بينهما قبل خلعه، مما يدل على أن الإدارة الأمريكية لا تجنح إلى الديمقراطية -كما تدعي- ولا تسعى لتطبيقها في الشعوب، ولكن الأصح أن نقول إنها تريد أن تزرع الفوضى وعدم الاستقرار، ولا تنظر إلا إلى مصلحتها في المقام الأول، واستغلال جوعهم وتعطشهم للسلطة في تنفيذ المخطط الصهيوني العالمي؛ باستخدام تلك الجماعات في تنفيذ مخططاتهم، وما حدث في باكستان وأفغانستان والعراق وسوريا خير دليل.
[email protected]
لمزيد من مقالات أحمد مصطفى سلامة رابط دائم: