بعيدا عن تأويلات الخلاف والإتفاق حول التصريحات الأخيرة التى أطلقها الفريق السيسى , التى أعلن فيها صراحة أن الجيش لن يقوم بإنقلاب عسكرى ضد الشرعية مطالباً الجميع بالإحتكام إلى الخيار الديمقراطى عبرصندوق الإنتخابات , فقد جاءت "لغة خطابه ", لتبررلهم ولكثير من المصريين سر إطمئنانهم لنموذج " السيسى" الذى سعى ونجح لدرجة بعيدة فى إكتساب ثقة الشارع فيه , وفى الجيش فى وقت قصير بعد تجربة المجلس العسكرى السابق .
لقد تحدث السيسى بحسم عن القدرات الكبيرة لجيشه , ولكنه لم يستنكف ان يقول " فيه ناس قالوا إنى بتذلل للشعب، بقول لهم أيوة أنا باتذلل للشعب.. هل يمكن أن نتجبر على أهلنا.. أتجبر على أعدائى أما جناحى فلأهلى" !
وذلك فى رده على ماقاله الشيخ حازم أبو إسماعيل عن حديث السيسى إلى الحاضرين فى إحدى إحتفالات تحرير سيناء ووصفه للفريق بأنه "ممثل عاطفى " مستنكراً ماقاله السيسى !
لقد تحدث السيسى عن قلقه من نزول الجيش , مُعرباً عن خوفه أن تعود البلاد" أربعين سنة إلى الوراء " فى إشارة أخرى إلى حرصه على عدم إراقة دم أى مصرى
أما الشيخ أبواسماعيل , فهو لايرى غضاضة فى التضحية كما قال " بعشرة ألاف شهيد" حتى يعيش باقى المصريين وقد حققت الثورة أهدافها كما يريدها هو !
وغير الشيخ أبو إسماعيل , آخرين ممن ينتمون لتيار الإسلام السياسى – وللأسف – منهم حتى من يحكم , عندما يتحدثون إلى الشعب , تجدهم وهم يحذرون , ويهددون ويتوعدون ,ولو إختلفت معهم فإن لغة السلاح والنار و"توليع " البلد , تحت زعم تحقيق أهداف الثورة تكون هى السائدة على ألسنتهم !
للأسف – حتى الآن – لم يستوعب هؤلاء طبيعة هذا الشعب السمحة غير المحبة للعنف , المعتدلة الهوى التى تسعى لإحتواء الجميع حتى لو إختلفت آراءهم وأهواءهم , بل ودياناتهم ومعتقداتهم .
هؤلاء لم يدركوا حتى الآن أن لغتهم " الفظة" غليظة النطق والقصد قد جعلت أغلبية المصريين , حتى من كانوا يرونهم فى السابق دعاة معروف بالحسنى تسأمهم , ولم تعد قادرة على رؤيتهم , وسماع ألسنتهم التى لاتنطق إلا بلغة الدم حتى على أبناء شعبهم
.. فى الوقت نفسه تجد قائد الجيش المصرى نفسه , بذكاء وسماحة , راجياً من كل المصرين أن يبعدوا به وبأنفسهم , عن نقطة دم واحدة , مؤكداً أنه "لا يستطيع مقابلة الله بدم المصريين"
وعلى الجانب الذى كان يرى فيه الشعب قيادى إخوانى يدعى "عبد السلام بسيونى" فى مؤتمر نظمته الجماعة بالعريش، وحضره الشيخ يوسف القرضاوى، وهو يدعوعلى الجيش , طالباً من الله "أن يقطع دابر العسكر"
فقد كان السيسى,أمام نفس الشعب يدعو الجميع للحوار والتوافق , محذراً فى الوقت نفسه ان "الجيش المصرى نار لاتلعبوا بها ولا تلعبوا معها وأنها تتسع لكل المصريين بمختلف فئاتهم وانتماءاتهم، ولكن لابد أن نعرف جيدا معنى الخلاف وأسس الحوار".
الغريب ليس فقط أن يكون هناك هذا "التباين" بين لغة حوار قائد عسكرى , وبين نماذج تتحدث طوال الوقت على أنها ممثلة للدين بتعاليمه , وسماحته , والسلام , وإحترام الغير, وعدم إستباحة دم الغير لكن الأكثر غرابة أن هؤلاء الذين يظنون فى أنفسهم أنهم , جنود الله فوق أرض مصر المحروسة لازالوا حتى الآن يتعجبون, من تزايد شعبية الجيش وقادته يوماً بعد يوم !!
فالأمرلدى غالبية المصريين, ليس له علاقة فقط بين عسكرى ومدنى لكن الأمر هو نفس الفارق.. بين مصرى – رغم أنه يملك القوةالعسكرية – يسعى ويعمل بجد للتقرب إلى شعبه فاهماً له , مُدركاً لطبيعته حتى لوكان ذلك بالتذلل إليه , مُعتبراً ذلك شرفاً له , وبين آخرين لايتحدثون إلى نفس شعبه إلا بلغة السلاح والتهديد, والدم والوعيد ..
ياسادة .. الفريق السيسى لم يقدم جديداً, فيما قاله لكنه إستطاع أن يريح , معظم من إستمع إليه حُكاماً ومحكومين ولازال يكسب شعبياً .. فهل تتعلمون الدرس منه فن التعامل مع المصريين !!
لمزيد من مقالات حسين الزناتى رابط دائم: