لم يكن اختيار الرئيس الأمريكي باراك أوباما مصر عشوائياً، عندما جاءها وقصد جامعة القاهرة ليلقى منها خطابه الشهير عام 2009، ذلك لأنها كانت تحتل مكانة ريادية بارزة بين الدول العربية، وتلعب دوراً محورياً إستراتيجياً في منطقة الشرق الأوسط، فضلا عن وجود الأزهر بها والذي يعتبر منارة العالم الإسلامي، بل العالم كله.
إذن لمصر دور تاريخي ريادي لا يمكن إغفاله، وكذلك تأثيرها في بعض قرارات الدول العظمى، والتي جعلها دائماً بمثابة البوصلة بالنسبة للدول العربية؛ يتجهون نحوها وتحدد قبلتهم ومستقبلهم، بل وتقف في الصف الأول تجاه قضاياهم.
إلا أن هناك من يحاول أن يأخذ تلك المكانة وذلك الدور المحوري في المنطقة بأسرها، مستغلا الكبوة التي تمر بها مصر.. ويحاولون بكل ما أوتوا من قوة ألا يجعلوها تقف على قدميها مرة أخرى.. بل يريدون ألا تقوم لها قائمة، فرحين بأزماتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
والسؤال البديهي.. من يحاول أخذ ذلك الدور؟ وإذا فكرنا قليلاً و نظرنا بإمعان فيما كان يحدث من محاولات بعض الدول لمساعدة مصر وتقديم العون لها سنعرف الإجابة.. سنعرف أن قطر ترتدي قناع الحمل الوديع الذي يمد يد العون لمصر، وتدعيمها مالياً وإعلامياً لتيار الإسلام السياسي منذ اللحظة الأولى لثورة يناير، ثم الدعم في الانتخابات البرلمانية وبعدها الرئاسية، بل وتعدى الأمر الزيارات السرية لرئيس جهاز المخابرات القطرية لجماعة الإخوان، وكلها جاءت في إطار تمكين هذه الجماعات من حكم مصر؛ بهدف إقامة دولة دينية تكون نواة وسبباً في تقسيم مصر إلى عدة دويلات..
صحيح أن قطر كانت تلعب دوراً في المنطقة مع بعض الدول العربية في السنوات السابقة، وتحديداً قبل الحرب الأمريكية على العراق، عندما وضعت جزيرتها تحت التصرف الأمريكي لإقامة القواعد العسكرية وغزو العراق وتفكيكه وتحويله إلى جثة هامدة.. يعاني ويلات الحروب الطائفية بعد أن أنهته عسكرياً واقتصادياً.
ولم تترك السودان؛ عندما استضافت طرفي النزاع فيها، وانتهت المفاوضات بنجاحها في تقسيم السودان إلى دولتين في الشمال والجنوب، والآن تسعى لبحث مشكلة إقليم دارفور الذي يسعى أيضاً إلى الانفصال،كذلك في ليبيا؛ بدءاً من السعي داخل جامعة الدول العربية، ثم التوجه بطلب إلى مجلس الأمن الدولي للتدخل العسكري في ليبيا، تحت مزاعم حماية شعبها. ثم تدخلها في القضية الفلسطينية، وكان آخرها زيارة أمير قطر لغزة ومنح قيادات حماس حفنة من الدولارات، ولا ندري هذه المساعدات ستسهم في عودة حماس إلى القيادة الفلسطينية برئاسة الرئيس عباس أبو مازن، أم ستزيد التمرد عليه وتتسبب في استمرار الانشقاق الفلسطيني التي تتذرع به إسرائيل لعدم تقديم حلول.
وأخيراً تستكمل قطر دورها في المنطقة لتنتهي بمصر... مليارات الدولارات كودائع.. مقابل تراثها.. حضارتها.. تاريخها.. ترابها.. ولا يهم الجماعة الذين يديرون مصر "شوية آثار".. أو حجارة لا ينتفعون بها.. أو حتى قناة السويس.. شيء عادي جداً.. مثل حلايب وشلاتين.. لا تعني بالنسبة لهم قطعة من مصر..
ثم بعد ذلك تخلع القناع ليتبدى الوجه الحقيقي على طريقة المثل "اطعم الفم تستحي العين"، وتستحوذ قطر على ما كانت تطمح في الوصول إليه..
الأدهى من ذلك كله أنه منذ أيام استقبل الرئيس الأمريكى باراك أوباما أمير دولة قطر، وناقشا قضايا التعاون المشترك بين البلدين، وجاء على رأسها الملف المصرى والأزمة السورية والتأكيد على أهمية السلام مع إسرائيل!!والمضحك المبكي ما قاله أمير قطر؛ وهو أنه تحدث مع الرئيس أوباما عن التغيرات الخطيرة التى تؤثر في الشرق الأوسط، وخاصة دولة مثل مصر، التى أكد أنها دولة مهمة للمنطقة ومهمة أيضاً للسلام مع إسرائيل، وأنه مهم لدولة قطر أن ترى السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، وأن ترى علاقة جيدة بين الدول العربية وإسرائيل بمجرد أن يتم التوصل إلى اتفاق سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين!
إن مصر واجهت على مرّ التاريخ صعوبات ومحن كانت أشد ضراوة من التي تواجهها الآن.. ويجب على الذين يحكمون مصر مراعاة ذلك جيدا، وألا يدعوا المجال للصغار للعبث بمصر وأخذ مكانتها والضحك على شعبها, مع احترامنا الكامل لشعب قطر - بغض النظر عن قيادتها السياسية الحاكمة – كجزيء من النسيج العربي الواحد ولكننا لا نحترم من يقوض ويعيق ويتدخل في شئون الغير حتى وأن بدا في ظاهره محاسن عدة.
[email protected]
لمزيد من مقالات أحمد مصطفى سلامة رابط دائم: