أخيراً .. إلتقى نظامنا الحالى فى مصر والكثير من معارضيه , على شئ واحد , وهو تلك "المفاجأة" التى إنهالت فوق رأسيهما , عندما ظهر أمامهما المخلوع "حسنى مبارك" فى المحكمة , فى كامل لياقته , وأناقته وإعتزازه بذاته , ملوحاً إلى محبيه ومؤيديه , من خلف القضبان وبنفس , طريقة سلامه , وهو فوق حُكم مصر .!
.. بعد هذا المشهد الدراماتيكى , رأينا عدداً لابأس به من رموز النظام الحالى ومؤيديهم , والمعارضة وذويها , وهم يلطمون خدودهم السياسية , ويكيلون فوق أفكارهم أكوام "الهم" و"الغم" فى ثرثرة فارغة على ماآل إليه "مبارك" بعد مرور أقل من عامين ونصف من ثورة قام بها وانتفض بها الشعب ضده , وهو الحاكم الذى إعتبروه الأكثر ظلماً و فساداً فى تاريخ مصر المعاصر !
لقد أخذ هؤلاء يتحدثون عن " كوافير" مبارك , وتعالت أصوات أعضاء مجلسنا الموقر فى "الشورى" حول الساعة التى يُزين بها يده , التى تساوى "2 " مليون جنيه كما قال رئيس مجلس الشورى, وأكد أنه يملك المستندات الدالة على هذا السعر !!
بينما اكتفى البعض الآخر بالحديث عن نظارته الأنيقة , و"شد وجهه" وفى نهاية الأمر إتفق كل هؤلاء على مطلبهم بعودة مبارك فوراً إلى محبسه فى طرة , بعد أن عادت إليه روحه من جديد !
.. أما الواقع الذى يدركه هؤلاء قبل غيرهم أن ما أصبح عليه مبارك الآن , وعودة الروح فيه , لم يكن سوى حصاد أيديهم هُم , فعندما دخل مبارك القفص للمرة الأولى , فى مشهد غير مسبوق فى التاريخ المصرى , كانت هناك آمالاً تملأ نفوس وعقول المصريين , عن صفحة جديدة فى تاريخهم , وقتها كانوا يتخيلون أن الحُلم بات قريباً , وأن الفساد قد ولى , والظلم قد سقط ..
تخيل المصريون أن الميزان قد إعتدل , وأن العيش بكرامة وحرية , سيتحول إلى واقع يومى , وأن مصاصى دماء الشعب , لصالح فئة المنتفعين من النظام , وبلطجيته قد ذهبوا بلا رجعة ..
عندما خرج المصريون على مبارك .. كانوا قد ثاروا, ضد الظلم والفساد , ضد المرض , وسوء التعليم , وضياع لقمة العيش والصحة
.. خرج المصريون ضد الدولة البوليسية , وإشعال الفتنة , والوجوه العابثة التى طفح بها النظام , من رجال أعمال إمتزجت عروقهم بالسياسة .
خرج المصريون ونجحوا , فى إزاحة كل هؤلاء على أمل يوم جديد , فوجدوا شباباً ينادى بهتاف "يسقط حُكم العسكر " لينال من جيشه !
خرج المصريون فوجدوا وجوهاً تحولت إلى "ظواهر صوتية" تحت دعاوى إحتكار الثورية .. إحترفوا العمل الفضائى , وأكلت عقولهم " الزعامة " وتوهم كل منهم أنه "الرئيس المُنتظر" , رافضين التحالف سوياً , من أجل مصلحة الوطن فأضاعوها وضاعوا معها, واكتشف الشعب حقيقتهم .
أما الآن , هاهو الشعب لايرى شيئاً قد تحقق مما خرج له , فلا أمن , ولاصحة ولاتعليم , ولاحتى لقمة عيش مستقرة .
هاهو الشعب مذهولاً وهو يشتم رائحة إمكانية " التفريط " فى الأرض .. وهوحتى الآن لايصدق نفسه , عندما يرى حتى الآن أن دماء المصريين لازالت تجرى تحت قدميه .
وهو يرى دولة الثورة تخرق القانون , وتسمح بالإعتداء على "مشيخة الأزهر" و"الكاتدرائية" دون أن تتحرك .. يراها وهى تسمح بمحاولة النيل من الجيش , وإهانته ومخابراتها تحت سمعها وبصرها وربما بتحريض منها !
إن الجريمة الكبرى التى إقترفها مسئولو النظام الحالى هو أنهم حولوا مبارك بكل جرائمه السياسية والإقتصادية وما فعله بالإنسان المصرى , إلى "حمل وديع" لدى الكثيرين الذين يرددون فى السر والعلانية " ولايوم من أيامه " !
أما عن نفسى , فقد تجسدت آلام هذه الجريمة أمامى عندما وجدت إبنتى الصغيرة , والتى كانت تهتف ضد مبارك فى الميدان , وهى تكتب على صفحتها بالفيسبوك " انا بحب حسنى مبارك " وعندما سألتها "ليه " ردت بكل ثقة وتعالى على سؤالى " كده" !
نعم لقد نجح نظامنا الحالى , ونخبتنا الثرثارة الفاشلة , ومعارضتنا الخاوية - وبإقتدار- فى جعل الكبار والصغار يكفرون بثورة شعبه .. فكيف إذن تلومون مُبارك على روحه التى عادت إليه من جديد !!
لمزيد من مقالات حسين الزناتى رابط دائم: