لابد أن نعي جميعاً الحقيقة المؤلمة؛ وهي أن هيبة الدولة ضاعت وتمرّغت في الوحل بعد الثورة، وأصبح الشارع المصري انعكاساً حقيقياً لفوضى أخلاقية وواقع اجتماعي مليء بالمتناقضات؛ نتيجة للتراجع الفكري والخلل والازدواجية والعشوائية في التفكير، ومعها ضاعت معها دولة القانون.
ماذا ننتظر بعد غياب دولة القانون؟! كل شيء جائز.. فما حدث أمام كاتدرائية العباسية وقبلها في منطقة الخصوص لم يكن مفاجأة.. ففي كل يوم نصحو على كارثة؛ انفلات.. احتجاجات.. إضرابات.. قطع طرق.. فتن طائفية! ثم ماذا تنتظر بعد حالة العناد من الرئيس؛ بعدما أقسم عدة مرات أن يحترم الدستور والقانون، وقد قضت المحكمة الدستورية بعودة النائب العام السابق المستشار عبد المجيد محمود لمنصبه، ولكنه ما زال يتمسك بالمستشار طلعت إبراهيم!! وكذلك الحال في حكومة قنديل التي يصر أيضاً على استمرارها في العمل رغم سقطاتها وفشلها الدائم، وحتى لا أكون متجنياً عليه؛ أي رئيس الوزراء؛ فكلنا نلمس فشله في التعامل مع أهم الاحتياجات الأساسية؛ الوقود، الكهرباء، الخبز، ولم يسعَ ليضع علاجاً سريعا أو خططا واضحة لحل تلك الأزمات، بل يستسلم لها في انتظار هدية السماء، ويبشّر بأن المرحلة القادمة ستكون أسوأ؛ مثلاً بانقطاع الكهرباء في فترة الصيف على الأقل لمدة أربع ساعات، وغلاء أسعار البنزين ورفع الدعم عنه حسب موتور كل سيارة، ناهيك عن موجة متوقعة من ارتفاع في الأسعار بشكل مطرد.
إن الرئيس مرسي وحده يتحمل المسؤولية كاملة عن كل ذلك، وأحداث العنف والشغب التي تشهدها البلاد وإقدامها على فتنة طائفية وإهدار الدماء...وأحس دائماً بأن دماء المصريين باتت رخيصة جداً، وشيء عادي جداً أن تراق الدماء، ويقف كل المسئولين صامتين، عاجزين، مكتوفي الأيدي، وكأنهم بصمتهم هذا يرحبون بمزيد من القتلى وموت المصريين يوماً بعد يوم، وكأنهم يرقصون على جثة الوطن، المهم الوصول إلى مبتغاهم!
ولن أقول إن الحل بترك الرئيس المسئولية؛ لعدم قدرته على التعامل مع أزمات الوطن، والانقسامات، والعجز عن توفير أبسط قواعد حياة المواطن البسيط.. ومجرد التفكير في بيع تراث البلد، والاستغناء عن أرض مصر مقابل دولارات ومصالح.. دعك من كل هذا.. لنبدأ مرحلة جديدة من الآن تقوم على المصالحة الوطنية والحوار والمشاركة مع المعارضة... والحل ببساطة في ستة أمور لكي نعبر تلك المرحلة، وعلى الرئيس وضعها في حسبانه جيداً، إذا كان يحب الوطن ويريد تجنيبه مزيداً من الاحتقانات مستقبلاً...
أولاً:إقالة حكومة د. قنديل؛ بسبب فشلها في التعامل مع كافة القضايا، لتتولى حكومة من ذوي الخبرة يساعدون بدورهم في القضاء على معظم الأزمات، وبالتالي سد الطرق على كل المخربين والعابثين ودعاة الفتنة..
ثانياً: إقالة النائب العام الحالي، والالتزام بحكم محكمة الاستئناف والمجلس الأعلى للقضاء، وتعيين نائب عام جديد، وإعلاء سيادة القانون.
ثالثا: إقالة وزير الداخلية؛ بسبب فشله الذريع في حماية الوطن.
رابعاً:تشكيل لجنة تقصي حقائق للتحقيق في أحداث الكاتدرائية والخصوص، ومن قبلهما أحداث الاتحادية والمقطم، والتوصل إلى نتائج ملموسة، يتم عرضها على الرأي العام في أقرب وقت.
خامساً: تجديد لغة الخطاب الديني والبعد عن التعصب والدعوة لنبذ العنف.
سادسا:البعد كل البعد عن محاولات التفكير -الآن أو مستقبلاً- في بيع أصول الدولة أو بيع تراثها وتقسيم أراضي البلاد.. والبحث عن طرق بديلة لزيادة الاستثمار.. فلنستفد مثلاً من خبرة العالم د. فاروق الباز ومشروع ممر التنمية، وأحمد زويل، وغيرهما من أبناء الوطن المخلصين أصحاب الكفاءات الذين يدينون بـ(الولاء للوطن)، فليست الكفاءات محصورة فقط في أعضاء حزب الحرية والعدالة والإخوان فقط.
أما غير ذلك (العناد) فسوف يهدد بخطورة بالغة على الوطن، وفوضى وفتن لن نستطيع إخمادها، وها هو العالم ينظر لنا على أننا أصبحنا من دول العالم الثالث التي تفرح بانهيار وموت وطنها والرقص على جثته.
[email protected]
لمزيد من مقالات أحمد مصطفى سلامة رابط دائم: