عندما هتف أحد الجالسين في الإحتفال بيوم المهندس، الذى حضره الرئيس مرسى بنقابة المهندسين ، قائلا "طهر ياسيادة الرئيس ودوس" فى إشارة إلى معارضيه , جاء رد الرئيس مُفاجئاً عندما قال له "هو انت مهندس رى واللا إيه " .. وهنا ضجت القاعة بالضحك !
مابين هتاف عضو نقابة المهندسين , والذى ينتمى إلى جماعة الإخوان , وبين تعليق الرئيس على ماقاله , وضحك جموع الحاضرين جاء هذا المشهد الدرامى , ليجسد من وجهة نظرى أهم ملامح المشكلة الرئيسية التى تراها مصر الآن .. !
فالمؤيد للرئيس وينتمى لجماعته , يطلب من الرئيس ألا يتنازل " قيد أُنملة " عما تريده وتردده الجماعة بمجابهة من يخالفها الرأى فى طريقة إدارة البلاد , بل ويحرضه على إستخدام العنف ضدهم .
والمؤيد للجماعة لايقف عند هذا الحد, بل يرى أن مايخالف تلك الإرادة وتصوراتها , هو لا يمثل معارضة وطنية تعبر عن نفسها ووجهة نظرها فى تصريف شئون الوطن , بل هى "حفنة "و" قلة مندسة", هى على أقل تقدير " حاقدة" , طامعة فى مقعد السلطة , ولو كان تحقيق ذلك, على حساب خراب البلد , بكل ماعليها , ومن فيها. .. ومن هنا فإن هذه "القلة الحاقدة" على النظام الحالى لاتستحق التجاهل فقط , بل يجب على الرئيس أن " يُطهر " البلاد منهم , و " يدوس" عليهم بكل ماأوتى من قوة للتخلص من أمثالهم , حتى تستريح البلد , وتبدأ إنطلاقاتها لتحقيق النهضة !!
الوجه الآخر من المشهد , هو رد فعل الرئيس الذى لم يتجاهل التعليق , ولو بالسكوت عنه , حتى لايبدو وكأنه يرضى عما قاله صاحب الهتاف , بل رد عليه الرئيس بُدعابته المعهودة فى لقاءته هذه الأيام, لتحمل فى طياتها عدم رفض لما قاله " الهتيف", بل وربما موافقة ضمنية لما ردده !
هذا الرد وتلك الموافقة , تعنى أن النظام الحالى كان ولازال حتى الآن , يرى فيمن يعارضون سياساته , أنهم بالفعل " سفهاء", وربما لايريدون البناء , بل يقاومون دفع البلاد إلى الأمام ويتمنون الرجوع بها إلى الوراء ..
.. ويبدوأن النظام ليس على قناعة, بأن هؤلاء - وأكثرهم ممن منحوا أصواتهم فى الإنتخابات الرئاسية لمرشح الإخوان - هدفهم صالح البلاد فى معارضتهم لتغيير منهج إدارتها فى إتجاه "المشاركة" لا "المغالبة " وإزكاء الحوار الجاد , وإعمال القانون لا خرقه وتجاوزه .
.. وهو ربما يرى أنهم ماداموا ليس معه فى بناء الوطن على الطريقة التى يراها , فهم يسعون إلى إنتزاع كرسى الحُكم بعد أن فقدوه عبر صندوق الإنتخابات , حتى لو كان ذلك على حساب خراب هذا الوطن .
أما الجموع التى أخذت فى الضحك داخل مشهد نقابة المهندسين , فقد بدت أقرب فى دورها لتلك الأغلبية التى لازالت تراقب الطرفين – الحاكم والمعارض - والتى ورغم إدراكها التام بمن هو معها ومن هو عليها,
فقد إختارت – كما هى عادة أغلبيتنا المصرية –الجلوس فوق مقعد "الصمت" الأثير , تطلق نكاتها , وسخريتها من الجميع , وتنتظر الحل من "الفرعون" القادم أياً كان , مكتفية بلقمة العيش , ونومة المساء , بمنطق المثل الشعبى " معاهم معاهم .. عليهم عليهم " !
ياترى فى الأيام المقبلة من الذى سيدوس الآخر , حتى تستقر الأغلبية فى نومتها , وتتعالى ضحكاتها وسخريتها من نفسها قبل غيرها ؟! وهل سيبقى الوطن نفسه وسط حرب الخراب الدائرة من الحاكم والمحكوم المعارض , حتى تستمر وتعلو أيضاً أصوات "هتيفة" و"منافقو" كل حاكم فى كل عصر وزمان ؟!
لمزيد من مقالات حسين الزناتى رابط دائم: