جاءت اهمية تبني قانون لتداول المعلومات وتكوين مجلس أعلي لها، في إطار قضية تعامل الحكومة مع المعلومات وتنظيم عملية الحصول عليها واستخدامها.
وتعد من اهم القضايا وأكثرها حيوية لانها لاترتبط فقط بتعزيز شرعية النظام بل أيضا بتعزيز الشفافية والمحاسبة داخل الجهاز الحكومي، وتلعب دورا كبيرا في استقرار النظام السياسي، ويزداد هذا الدور بالتحول نحو الديمقراطية وتعزيز الرقابة الشعبية علي أداء الحكومة وبقوة دور الرأي العام المساند لها.
ومن أهم أشكال المعلومات انها قد تأتي في شكل مجموعه من البيانات تتكون من ارقام وحروف يتم ادخالها في نظام المعلومات الذي تجري فيه عملية التفاعل وليتم تحويلها لمخرجات يمكن الاستفادة منها في صنع القرار، وتتحول فيما بعد الي معلومات تحمل مدلولات بين الراسل والمستقبل، وعندما تصبح هذه المعلومات قادرة علي التأثير علي سلوك الفرد والمجتمع تتحول الي معرفه. وتعتبر المعلومات أحد الاركان الرئيسيه في عملية صنع القرار بدورها في الإلمام بموضوع الأزمة وأطرافها وطرق حل المشكلة وبدائلها، وان كانت المعلومات واضحة فهي تعمل علي إزاله الغموض، وعندما تتميز بالدقة والسرعة والحداثة ومستوفية ويعتد بها وسهلة المضمون والرسالة.
ويؤدي نقص المعلومات الي وقوع اخطاء في تقديرات الدولة وفي ادارة الازمات، وبخاصة في ظل ثورة معلوماتية متعددة المسارات والتدفق والانتشار ولا تعرف الحدود ولا تتقيد بطبيعة الفاعلين في انتاجها ومصدر مفتوح امام عملية استخدامها، وبرزت قوي جديدة اكثر حركة وفاعلية في انتاج المعلومات وبقدرتها علي نشرها بأدوات جديدة علي نطاق اوسع.
من ناحية اخري يؤدي نقص المعلومات لقرارات خاطئة تزيد من الفجوة بين النظام الحاكم والجماهير وبما يتسبب في ازمة تتحول لحركات احتجاج عنيف تعصف بالنظام الحاكم علي نحو ما جري للدول العربية، سواء نتيجة للتدفق الهائل للمعلومات من الداخل والخارج ضد النظام أو بالكشف عن عجزه عن استخدام المعلومات في ادارة الازمة، وهو ما يؤثر علي درجة الثقة بين النظام والمجتمع وبخاصة مع تزامن حالة الأزمه بنشر المعلومات واختلاطها بالشائعات وغياب المصداقية والحرب النفسية.
وظهرت تحديات امام النظام السياسي في السيطرة علي حركة المعلومات وتدفقها بما جعل حجم تدفق المعلومات الية يفوق قدرته علي الاستجابة بما أفقده القدرة علي السيطرة علي الجمهور، وفي ظل عملية التحول التاريخي من مرحلة الاعلام الجماهيري الي الاعلام المفتوح، وواصبح لدي المواطن القدرة علي استقبال معلومات اخري غير التي ترد اليه من مؤسسات الدولة المعنية، وتتوافر بها سرعة التدفق والحداثة فيما يتعلق بوضع المواطن الداخلي الي جانب اهتمامه بالشأن الخارجي، وحجم التغير في أدوات انتاج ونشر المعلومات، والكم الهائل من الفضائيات والصحف والانترنت والمحمول، وهي بيئة جديدة ليس فقط لتلقي المعلومات بل أيضا لإنتاجها في صور متعددة كنص أو صوت أو صورة وتشكل المعلومات ونمط انتقالها وتبادلها والإستجابه لها دورا مهما في كفاءة النظام السياسي من خلال الاستجابة للمطالب، وكلما كانت واقعية في التغذية العكسية عكست حجم الرضاء العام لدي المواطنين وشرعية واستقرار النظام السياسي.
وفي ظل علاقة تبادلية بين المعرفة والمؤسسات الرسمية بدت تحديات أخري تتعلق بان الدولة ونظامها السياسي لم تعد مصدرا وحيدا للمعلومات لمواطنيها بل أصبح هناك مصادر أخري داخلية وخارجية يستطيع المواطن إن يصل إلي المعلومات التي يريدها، وجعلت ثورة المعلومات والمعرفة من المواطن ليس مستقبلا للمعلومات فقط بل ناقدا لها وباحثا عنها ومشاركا في إنتاجها عبر وسائل الاتصال الحديثة، وذلك مع تراجع دور الدولة الإعلامي مع تصاعد دور الإعلام الخاص، ومن شأن عجز مؤسسات الدولة عن أحداث السيولة في حركة المعلومات منها واليها إلي اتساع الفجوة بين المجتمع والدولة وبين المطالب والإنجاز وبين الحاكم والمحكوم، وهو ما يؤدي إلي فقدان الثقة في مؤسسات الدولة وتوفير بيئة خصبة لنمو الأفكار الاحتجاجية داخل المجتمع والتحول من الانتماء إلي الدولة إلي الانتماءات الأولية كالدين والقبيلة أو المنطقة، والتحول من معارضة سياسات النظام إلي مؤسسات الدولة والتي يجب أن تحافظ علي حياديتها وعدم الزج بها في الصراع السياسي.
وتتطلب تلك التحديات أن تكون عملية إنتاج المعلومات تتم بناء علي المشاركة بين المواطن والحكومة، وأن يكون المواطن هو مركز اهتمام الحكومة من خلال تحقيق مطالبه، وتوفير الدولة لأدوات لجمع معلومات حقيقية عن توجهاته دون انتهاك خصوصيته، ويبقي مصدر قوة الدولة والحكومة في امتلاكها طرق وأساليب عمل وبيئة تنظيمية مرنة وسريعة الاستجابة وسريعة التكيف مع التغيرات علي أرض الواقع وليس الاكتفاء بالتصريحات الإعلامية غير المستندة إلي معلومات حقيقية.
وتؤثر حرية الحصول علي المعلومات تأثيرا ايجابيا علي دور الصحافة والإعلام، فضلا عن دور المعارضة القوية، ويعكس طبيعة التحول نحو الديمقراطية وبضعف السيطرة الحكومية علي أغلب مصادر المعلومات وإنتاجها وإتاحتها بدون أيه قيود بيروقراطية، والعمل علي تحديث الإطار التشريعي ووجود طابع مؤسسي يعالج المعلومات دون أيه تحيزات سياسية وأهمية التعليم ومراكز التفكير والبحث في نمو الأفكار والمعلومات داخل المجتمع.
ويمثل وعي المواطن ركيزة مهمة في فهم أهمية مجتمع وثقافة المعرفة، وتفريقه بين المعلومات التي قد تضر بالمصلحة الوطنية والتي توجب الحفاظ علي سريتها كونها لاتهم إلا صانع القرار فقط، وبين الكم الهائل من المعلومات الأخرى التي تعكس عملية التفاعل بين الحكومة والمواطن وتساعد في عملية صنع السياسات العامة.
لمزيد من مقالات عادل عبد الصادق رابط دائم: