لا أعرف لماذا تذكرت المثل العربي القديم «تموت الحرة ولا تأكل بثدييها»
وأنا أتابع عن كثب أخبار البلد وولاة الأمر «الراشدين» والقائمين عليها الذين يسمحون كل يوم لدولة مثل قطر بالتدخل السافر في شئوننا والتحكم في مصر.. دون استشراف حقيقي لما تخبئه نواياهم الحقيقية ومآربهم الخبيثة.. فهي بين الحين والآخر تعمل بنظرية «الزحف البطيء» مثل الحية الرقطاء التي تحاول الانقضاض على فريستها رويداً رويداً؛ وتخدرها – (بسطوة الأموال)- ثم تتمكن منها وتلتهمها.. فكانت البداية بزيارة الوفد القطري وعرضهم على مصر منحة لا ترد قيمتها مليار دولار، ووديعة في البنك المركزي قيمتها 4 مليارات دولار.. بعد ذلك نسمع عن مشاريع في قناة السويس؛ أو بمعنى أدق «تأجير قناة السويس»... ثم الوثيقة التي نشرت في الصحف ببيع مبنى ماسبيرو والمثلث المحيط به.. وأخيراً تأجير آثار بلدنا من 3 إلى 5 سنوات مقابل 200 مليون دولار...
في بادئ الأمر ظننت أنها مجرد هواجس وأضغاث أحلام أو مجرد بالونات اختبار لمعرفة رد الفعل... لكن سواء كانت بالونات اختبار أو شائعات، فإن الأمر كارثي بكل ما تحمله الكلمة من معنى؛لأن الأمور في بادئ الأمر تكون مجرد أقاويل وشائعات ثم ما تلبث أن يتم نفيها من جانب الحكومة وبعدها تتحول إلى مشروع لم يبت الأمر فيه ثم تصبح واقعاُ.
وقع الإخوان في حيرة كبرى وموقف لا يحسد عليه، وأصبح العبء عليهم ثقيلاً، وينذر بانخفاض شعبيتهم، بل حصل بالفعل وتراجعت كثيراً في الشارع المصري، وفقاً لما جاء به مركز بصيرة والذي أوضح أن نسبة الرضا الشعبي للدكتور مرسي تراجعت منذ تولية الرئاسة لتصل إلى 49% الآن بعد أن كانت في مستهل فترة حكمه 76%, وفي المقابل ارتفعت الأصوات الصاخبة من 5% لتصل إلى 48%؛ بما يعني سحب البساط من تحت أقدام مرسي وجماعته كل يوم عن الآخر.. ولست بحاجة إلى التذكير بعجز الموازنة، أو تدمير السياحة، أو الاستثمارات، أو عجلة التنمية التي توقفت.. وقد تمت الوعود مسبقاً لأكثر من مرة بقيام «مشروع النهضة» المزعوم.. الذي سيصلح من حال البلد... وسيعيشنا في «تبات ونبات».. ولكن ماذا كان الخيار؟!
ثمة خيار سهل اتبعه الإخوان لإنقاذ تلك الورطة؛ ألا وهو فكرة الحصول على السهل الممتنع دون محاولة بذل أي جهد، ودون محاولة لوضع خطط مستقبلية، والسير على غير هدى دون خارطة طريق واضحة، والاعتماد على الحلول السهلة التي تجلب أموالاً لكي يحفظوا ماء وجههم الذي سقط.. وهو التفكير واللجوء إلى أموال القطريين تحت زعم «إنقاذ البلد من الكبوة»... ويا لها من ورطة!! فلا ولن يسمح الشعب المصري أن يكون فريسة، أو يصبح "الست أمينة" الذي يحكمها "سي السيد القطري" المستضعف داخلياُ وربما القوي مادياُ!
إن الفخ يكمن في استغلال سوء الأوضاع في مصر والاضطرابات والفوضى وانهيار الاقتصاد، وذلك بإغراءات الأموال والدولارات و«زغللة» الأعين لبيع تاريخ مصر وتراثه وآثاره، تحت زعم حل سريع للأزمة المالية في مصر.. ثم ما إن يبدأ التمكن ووضع الأيدي على مقدرات البلد، حتى تضيع ويضيع شعبها معها للأبد، وبذلك نبيع أنفسنا وشرفنا لأعداء الغد - أصدقاء اليوم.
لا نريد أن نتحسر ونقول يوماً كما قال الشاعر إبراهيم طوقان:
باعوا التراب إلى أعدائهم طمعا *** بالمال لكنما أوطانهم باعوا
قد يعذرون لو أن الجوع أرغمهم*** والله ما عطشوا يوماً ولا جاعوا
وبُلغَة العار عند الجوع تلفظُها *** نفسٌ لها عن قبول العار ردّاعُ
تلك البلاد إذا قلتَ: اسمها وطن *** لا يفهمون ودون الفهم أطماعُ
إن القراءة المتأنية لما يجري الآن يجعلنا وجهاً لوجه أمام عمى في الرؤية وتلعثم في القراءة، فقد أسهمت الأوضاع الراهنة والاستحواذ على المناصب والصراع على انتخابات البرلمان في إفراز أنماط متفشية من السلوكيات الفردية والانتهازية، في ظل تراجع مؤشرات التنمية إلى حدودها الدنيا، وتضخم جيوب الهشاشة، والتهميش والإقصاء.
على الإخوان مراجعة وتقدير الموقف.. لا وقت للجلوس في برج عاجي والاستعلاء والاستماع إلى صوت أنفسهم وحده.. لا لبيع البلد.. إننا نمتلك كنوزاً ثمينة يريد الآخرون الاستحواذ عليها.. والحل في تقديري سهل جداً بالاعتماد على أهل الخبرة، كل في مجاله، سواء في السياحة أو الآثار أو الاقتصاد، وغيرها... بل والعمل على تغيير الحكومة الحالية بأسماء لامعة من ذوي الاختصاص والخبرة.. فالتغيير ليس فشلاً أو عيباً؛ لأننا في مرحلة جديدة.. إن الاهتمام بالسياحة وحده -كما ذُكر من خلال عدة مصادر- يدر دخلاً في السنة الواحدة أكثر من عشرة مليارات دولار...
ولعل الاهتمام باستقرار الأوضاع ومنظومة عودة الأمن من الأولويات التي تمهد لعودة السياحة مرة أخرى إلى سابق عهدها، فلماذا لا نعتمد على أنفسنا وننهض بوطننا ونضع الخطط والترتيبات اللازمة لتطوير مجالاتنا.. لماذا نسمح للغير بالتدخل في شئوننا؟ ونكون عرضة للاحتلال؟
الحل الأخير هو التفكير جيداً بعمق و«للنصف الفارغ من الكوب»، وعدم اللجوء إلى من «الأصدقاء - الأعداء» الذين يريدون الهيمنة على الوطن العربي تحت مباركة اليهود والأمريكان وإقامة قواعد لهم في وطننا، والتوافق ثم التوافق ثم التوافق مع كافة القوى ووضع حلول وسط لإنهاء كافة الأزمات.. آمل أن نتحد ونتفق.
[email protected]
لمزيد من مقالات أحمد مصطفى سلامة رابط دائم: