د. محمد فايز فرحات
ماجد منير
فى ذكرى الحرب العالمية الثانية
1 سبتمبر 2025
د محمد فايز فرحات


تحل هذا الأسبوع ذكرى الحرب العالمية الثانية التى بدأت فى الأول من سبتمبر 1939 وانتهت فى الثانى من سبتمبر 1945. رغم مرور ثمانين عاما على انتهاء هذه الحرب، لكن تحولات عميقة تجرى فى بنية النظام الدولى وسياسات القوى الكبرى قد تؤسس لصدامات دولية وإقليمية قد تتحول إلى حرب عالمية ثالثة، ومازالت العديد من الدراسات ومراكز الفكر لا تستبعد هذا السيناريو. سيناريو الحرب العالمية لا يرتبط بحدث بمفرده، لكنه يأتى نتيجة لسلسلة من التحولات المتراكمة عبر سنوات متتالية، تشمل صعود قوى تالية تقترب من تهديد القوة / القوى المهيمنة على النظام الدولي، وسباقات التسلح، وبناء الأحلاف الدولية، وتصاعد سياسات الحمائية التجارية، والحروب بالوكالة، وغيرها.






ثلاث ملاحظات مهمة يجب استحضارها عند قراءة التحولات الدولية الجارية، أولها أنه لا يمكن القطع بأن هذه التحولات ستقود بالضرورة إلى وقوع سيناريو الحرب العالمية، فهناك سيناريوهات عدة مفتوحة. ثانيها، أن حدوث تحول فى بنية وشكل النظام لا يرتبط بالضرورة بسيناريو الحرب العالمية، فقد يحدث هذا التحول بشكل سلمى وفى إطار عملية التنافس الاستراتيجى الجارية حتى الآن. ثالثها، أن كافة السيناريوهات المحتملة سترتبط بالأساس بالعلاقات الأمريكية الصينية، وهو ما يعنى أهمية القراءة الدقيقة لهذه العلاقات.



وبشكل عام، يمكن تصور ثلاثة سيناريوهات لمستقبل العلاقات الأمريكية ــ الصينية، والتى ستحدد مستقبل النظام الدولى أولا، وستحدد المسار الذى سيمر عبره التحول المرتقب فى هيكل وشكل النظام الدولي.



السيناريو الأول: هو حفاظ الطرفين على إطالة مرحلة التنافس الاستراتيجى الراهنة، وتجنب الانتقال إلى المواجهة العسكرية. يدعم هذا السيناريو اعتبارات عدة، أهمها: التكلفة الضخمة المتوقعة (عسكريا واقتصاديا) بالنسبة للطرفين فى حالة حدوث المواجهة العسكرية، فى ظل إمكانية تحول أى مواجهة عسكرية بين البلدين إلى حرب واسعة النطاق، خاصة مع احتمال دخول روسيا وكوريا الشمالية الحرب بجانب الصين؛ إذ من المرجح أن يكون لدى روسيا استعداد لخلط الأوراق وتوسيع نطاق المواجهة مع الولايات المتحدة، بالإضافة إلى المستوى المتقدم للشراكة الاستراتيجية بين الصين وروسيا ووجود جدل حول ما إذا كانت هناك توافقات سرية قد حدثت بينهما فى حالة انتقال المواجهة إلى مسرح الإندوباسيفيك. هناك أيضا معاهدة دفاع مشترك بين الصين وكوريا الشمالية، تُلزِم الأخيرة بالدخول إلى جانب الصين فى الحرب. من هذه الاعتبارات أيضا التداعيات المحتملة لسيناريو الصدام العسكرى المبكر على صورة الصين فى العالم باعتبارها «قوة سلام واستقرار». أضف إلى ذلك أن مشروع الصعود الصينى لم يصل بعد إلى محطته الأخيرة. صحيح أن هناك مراجعات عديدة قد تمت بشأن السياسة الخارجية الصينية، وطبيعة أدوارها الخارجية، لكن مازالت عملية الصعود لم تكتمل بعد. تعجيل المواجهة العسكرية سيؤثر بالتأكيد على هذا المشروع.



إحدى الملاحظات المهمة فى هذا السياق أيضا أن الصين قد لا يكون من مصلحتها تغيير وضع هيمنة الولايات المتحدة على النظام الدولى على المدى القصير بسبب عدم جاهزيتها لتحمل الكثير من الأعباء الدولية بالتوازى مع الولايات المتحدة أو بديلا عنها، وهو ما يدعم فرضية عدم سعى الصين إلى التغيير السريع لهيكل النظام الدولى بالقوة العسكرية.



لا يختلف الأمر كثيرا بالنسبة للولايات المتحدة، فأحد المؤشرات المهمة أن استراتيجية الأمن القومى الأمريكى مازالت تستخدم صيغة «المنافس الاستراتيجي» عند الحديث عن الصين.



السيناريو الثانى، هو الدخول فى صدام عسكري. ويمكن توقع حدوث هذا السيناريو فى ظل سياقات ثلاثة؛ أولها أن يقرر الرئيس شى جينبينج حسم ملف تايوان قبل خروجه من السلطة، حتى يُنسب إليه هذا الإنجاز. ثانيها أن تقرر الولايات المتحدة دفع الصين إلى التورط فى عمل عسكرى ضد تايوان بهدف استنزافها ودفعها إلى الانكفاء على الداخل وتوجيه «ضربة» للسردية الصينية حول «الصعود السلمي». ثالثها حدوث مواجهات غير مقصودة فى شبه الجزيرة الكورية، تسهم فى توسيع نطاق الحرب. لكن بعيدا عن هذه السياقات، فإن الطرفين لا يستبعدان حدوث المواجهة فى مرحلة لاحقة بعد استنفاد مرحلة التنافس، بل إنهما قد يستعدان لسيناريو المواجهة العسكرية، واعتباره سيناريو حتميا.



لكن إذا استبعدنا السياقات الثلاثة السابق الإشارة إليها، فإن الاحتمال الأغلب أن هذه المواجهة العسكرية لن تحدث على المدى القصير. كما أن العديد من الضوابط قد تحول دون تحققها؛ فمع افتراض سعى الرئيس الصينى إلى حسم ملف تايوان فى عهده، فهناك حسابات معقدة داخل الحزب الشيوعى الصينى قد تحول دون اتخاذه هذا القرار بشكل متعجل. وإذا افترضنا أيضا أن هناك خطة أمريكية لتوريط الصين فى تايوان، فإن التعامل الصينى مع هذا الملف يجرى حتى الآن بدقة شديدة، بجانب الدراسات الصينية العديدة التى أُجريت على تجربة الحرب الروسية ــ الأوكرانية.



السيناريو الثالث، هو تحول حالة المنافسة الاستراتيجية الجارية بين البلدين إلى توافق تاريخى بشأن القضايا موضوع الخلاف، بدءا من القضايا الاقتصادية والتجارية إلى قضية تايوان. ويقوم هذا السيناريو على عدد من الفرضيات، أهمها أن نجاح الطرفين فى إطالة أمد مرحلة المنافسة إلى مدة طويلة قد يسمح لهما ببناء درجة من الثقة المتبادلة، والقبول بالوجود المشترك على قمة النظام العالمي، وقبول الصين بالوضع الراهن لتايوان كأمر واقع (عدم ضم الجزيرة بالقوة، مقابل عدم إعلان الأخيرة استقلالها)، وقبول الصين بقواعد حرية الملاحة فى بحر الصين الجنوبى وعدم اتخاذ أى إجراءات عسكرية تغير من الوضع الراهن، ما يحقق هدف الولايات المتحدة وحلفائها، وانتقال الأطراف إلى حالة توازن استراتيجى بين الصين وروسيا وكوريا الشمالية فى مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها فى الإندوباسيفيك، وتحول التحالفات الأمريكية فى الإندوباسيفيك إلى أدوات لإدارة والحفاظ على هذا التوازن الاستراتيجى الجديد. وربما تنتقل الأطراف إلى مناقشة قضايا نوعية مع الصين تضمن الحفاظ على حالة التوازن تلك.



هذا السيناريو يعنى ضمنا انتقال النظام العالمى إلى حالة تعددية الأطراف دون مواجهات عسكرية، خاصة إذا افترضنا أن الصين ليست لديها مصلحة فى أن تحل محل الولايات المتحدة على قمة النظام الدولى لأسباب عديدة، لكنها قد تقبل بوجودها بجانبها، وهو السيناريو الذى يضمن الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، لكنه يتطلب تفاهما استراتيجيا لمصلحة المجتمع الدولي، ولمصلحة مواجهة التهديدات غير التقليدية التى تواجه الإنسانية.



 



--------------------------------



 



إن الصين قد لا يكون من مصلحتها تغيير وضع هيمنة الولايات المتحدة على النظام الدولى على المدى القصير بسبب عدم جاهزيتها لتحمل الكثير من الأعباء الدولية بالتوازى مع الولايات المتحدة أو بديلا عنها، وهو ما يدعم فرضية عدم سعى الصين إلى التغيير السريع لهيكل النظام الدولى بالقوة العسكرية.