يتعرض إقليم الشرق الأوسط لواحدة من أخطر الأزمات عبر تاريخه، إن لم يكن أخطرها على الإطلاق، ولا يخفى على أحد، تصاعد حدة التهديدات الأمنية منذ عام 2011، والتى كان من نتيجتها تصدع وانهيار عدد من دول الإقليم، وتمدد الصراعات الداخلية، وانتقالها إلى دول الجوار.
ناهيك عن تردى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، بالتوازى مع صعود التنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلحة؛ وهو ما يؤثر فى الأمن القومى للدول؛ أصبحت انعكاساته تتجاوز التهديدات التقليدية، بسبب التحولات شديدة الإيقاع والتطورات العلمية والتكنولوجية الواسعة، والتى تمثل تحديات جوهرية للأطر الحاكمة للتفاعلات السياسية والأمنية المستقرة، مع تعقد شبكة الفاعلين الدوليين المؤثرين فى المنطقة، وظهور فواعل دولية مستحدثة، وكذلك تشابك العلاقات الإقليمية والدولية.
وعلى مدار اليوم تطاردنا التقارير الإعلامية، بأحداث عنف ومعاناة بشرية واسعة النطاق: تدمير كبير وقتلى ووفيات وإصابات وحالات نزوح، تفشى الفقر وتراجع فرص العمل وتدهور جودة التعليم والخدمات الصحية، تهدم منازل ومبانٍ وطرق وجسور ومدارس ومستشفيات، تدفقات للاجئين، وتدمير بنية تحتية، وغيرها من الأضرار البالغة، مع تفاقم حالات الجفاف وانعدام الأمن الغذائى وانتشار الأمراض وانقطاع سلاسل الإمداد والشبكات.
وإذا كان التاريخ الحديث لمنطقة الشرق الأوسط، يقول إنها دائما فى حالة خطر، فإنها أصبحت خلال السنوات الأخيرة فى وضع شديد الخطورة؛ بعد أن بلغت الأزمة ذروتها وتوشك أن تتحول إلى حرب كاملة؛ نتيجة تصاعد التوترات وانحياز الأطراف الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، إلى جيش الاحتلال الإسرائيلي، والسير فى اتجاه حرب إقليمية، رغم أن الجميع يشددون على أنهم لا يسعون إليها، فيما تقول الأحداث إنهم يسيرون إليها بالفعل، فى ظل ضعف الحلول المتوافرة حاليا، والتعقيد المتزايد للأوضاع، وارتفاع حدة التشنج والاضطراب الإقليمي.
إننا فى منطقة تصارع الآن لإقرار توازن جديد، ونعيش بين جيران يعانون انهيار مؤسساتهم، وتعقيدات فى شتى أمورهم، ويحتاجون إلى تكلفة خيالية من أجل إعادة الإعمار؛ ما يحتم علينا التماسك والوحدة لأنهما محور الارتكاز والحماية الاستراتيجية للدولة المصرية، والضامن الأساسى للحفاظ على أمن واستقرار الوطن، وهنا يأتى دور وعى الشعب فى الظروف الصعبة التى تمر بها المنطقة، لأنه بمثابة حائط الصد ضد محاولات زعزعة الاستقرار، والنيل من المؤسسات الدستورية؛ تجنبا للعواقب السلبية لعدم الاستقرار.
وكعادته كان الرئيس عبدالفتاح السيسى صريحا وواضحا، مع أبنائه طلاب الأكاديمية العسكرية، طمأنهم ــ ومعهم الشعب المصرى أن حماية الأمن القومى عملية مستمرة بلا كلل أو ملل، فى ظل ما يدور حولنا من أحداث، وأن فهم ما حدث قبل سنوات، هو ما سيجعل المواطن يصمد، ويتحمل عندما تكون ظروفه الاقتصادية صعبة.
وكشف الرئيس الحقائق، بقوله: «التطورات على مدار العقود الماضية أدت بالمنطقة إلى مفترق طرق تاريخي، يتطلب من الجميع الحذر والتأنى والدراسة المتعمقة قبل اتخاذ أى قرار، وثوابت السياسة المصرية تقوم على التوازن والاعتدال والإيجابية لإنهاء الأزمات، وليس تصعيدها سواء على مستوى الإقليم، أو على مستوى العالم؛ تحسبا للانزلاق إلى مخاطر حقيقية تهدد الأمن الإقليمى بأكمله».
وحرص الرئيس السيسي، خلال احتفالية تخريج دفعة جديدة من طلبة أكاديمية الشرطة، على طمأنة المصريين وإزالة قلقهم، عندما قال: «الأمور مستقرة، وتتحرك للأفضل؛ مادام المصريون مستقرين ومتحدين ومطمئنين إلى أن الدولة المصرية تدير أمورها بشكل يحفظ بلادنا، والمنطقة ما أمكن، دون التورط فى أمور تؤثر على الأمن والاستقرار فى المنطقة وبلادنا، وما دام المصريون متماسكين ومتحملين».
ولعلى لا أبالغ إذا قلت، إن مصر، بوصفها اللاعب الرئيس فى الإقليم، وبما تحمله على عاتقها من مهام جسام تجاه أشقائها وجيرانها وأصدقائها، تعيش واحدة من أصعب الفترات على مدار تاريخها، وقبل كل ذلك المهمة الشاقة فى حماية الأمن القومي، وصون مقدرات الوطن، ولعل هذا هو الشغل الشاغل للرئيس السيسي، منذ أن اختاره الشعب، وفوضه فى الخروج بالبلاد من الحالة الخطيرة التى وصلت إليها فى السنوات الأخيرة، بكل خسائرها، والتى لولا وطنية الرئيس، وإخلاص وكفاءة القوات المسلحة المصرية، ووعى الشعب، ووقوفه خلف قيادته، لكان من الصعب تجاوزها بحكم أنها مرحلة ماجت بأحداث خطيرة.
ولم تكن عملية «الخروج الآمن» لمصر ــ مما طال العديد من دول المنطقة التى لم تعد حتى الآن، ولا تزال تدفع الثمن غاليا ــ لم تكن عملية الإنقاذ هذه سهلة ولا بسيطة، فأعداء الداخل والخارج يتربصون بنا ليلا ونهارا، لذا احتاج هذا «الخروج الآمن» جهدا خرافيا؛ حتى وقفت البلاد على قدميها، وتعافت بعد ضعف، وسط ظروف غاية فى الصعوبة إقليميا ودوليا، جرّ فيضانها البعض، وألقى بهم فى هوة سحيقة من الانقسام والخلافات، بل والحروب الأهلية التى يخسر فيها الجميع، والمنتصر فيها مهزوم!.
مرت مصر بحالة ضعف، كان يمكن أن تقضى عليها، أو على الأقل تجرها إلى مستنقع وقع فيه الكثيرون، وخسرت مليارات الدولارات، تحملها شعب مصر من مقدراته وأقواته وخدماته، كما كانت فرصة لمحاولة التأثير على نصيبها من مياه النيل، ولكن الآن الدولة المصرية القوية، لا يستطيع أحد الاقتراب من مصالحها، وحقوق شعبها، أو التمادى فى اتجاه بناء سدود أخرى على النيل ــ كما هو مخطط- تنال من حصة المصريين، أو تؤثر على مستقبل الأجيال الجديدة.
والآن فقط، وبعد الذى تشهده المنطقة بكاملها من تطورات عميقة وعنيفة، أستطيع أن أجيب عن السؤال الذى كان يتردد حول النقلة العظيمة التى حققها الرئيس السيسى فى جميع مناحى الحياة، والأخذ بكل التطورات التكنولوجية العالمية، وعلى رأسها تسليح القوات المسلحة، بأحدث الأسلحة المتطورة، فلولا ما حدث، فيما يشبه الإعجاز خلال فترة قصيرة جدا، ما كنا الآن فى حماية جيش كبير وعظيم، قادر على صون مقدسات الوطن وحماية الأمن القومى على كل الاتجاهات الاستراتيجية، بما يملكه من إمكانات وقدرات.
وأخلص من كل ذلك إلى القول: إن الأمور حولنا فى المنطقة الملتهبة، بأرضها التى لحق بها الدمار، وبسمائها التى غطاها غبار المعارك، تتطلب من المصريين أقصى درجات الحذر، وعدم الانسياق وراء المغرضين مطلقى الشائعات الخبيثة، والتعامل بوعى مع كل ما يتردد، والاطمئنان إلى أننا نسير على الطريق الصحيح، وقطعنا شوطا طويلا من المشوار الطويل بكل معوقاته ومطباته.. اللهم إنى قد بلغت، اللهم فاشهد!.
***
«فلولا ما حدث، فيما يشبه الإعجاز خلال فترة قصيرة جدا، ما كنا الآن فى حماية جيش كبير وعظيم، قادر على صون مقدسات الوطن وحماية الأمن القومى على كل الاتجاهات الإستراتيجية»