دخلت سرادق العزاء مرتين خلال أسبوع واحد، الأول لزميلنا أبو العباس محمد فى وفاة نجله باسم، والثانى الزميل أحمد حمادة فى وفاة والده، العزاء الأول كانت المصيبة أكبر فالابن كان شابا يافعا ويعمل فى مجال الإعلام مثل والده، عندما تقترب من الأب المكلوم تجد ملحمة من الصبر والرضا تكسو وجهه، ولكنها تخبئ وراءها بركانا من الحزن لا تعرف متى أو من سيخمده، وتجده يتعجب ـ بصوت خافت ـ فى بعض الأوقات من وقوفه ساعات طويلة لتلقى العزاء فى أعز الأحباب.
ورغم التضحيات التى يقدمها الآباء للأبناء على مدى سنوات طويلة، تجد أن الحزن على فراق الابن أصعب من فراق الأب، وكان ذلك واضحا فى العزاء الثانى، فالأب هو الفقيد، ولكن اختلف نمط الحزن، فالابن ترجم حزنه لملحمة عن الأب ومناقبه العديدة، وفضله عليه، وأنه كان سنده وظهره فى الحياة، وفخره بهذا الأب طوال حياته، فالأبوة الحقيقية تجربة بها الكثير من معانى الحب والعطاء عاشها مع ذلك الرجل.
ولكن تضيع معانى وهيبة الموت داخل سرادقات العزاء خاصة المغلقة، فغالبية المعزين ورغم قراءة القرآن الكريم، تجدهم فى عالم مواز، فهناك من يتحدث مع الآخرين أو فى تليفونه المحمول، وهناك من يبحث عن رجل مهم داخل السرادق لتحقيق غرض أو مصلحة، وهناك من خرج من منصبه ويبحث عن سلطته المفقودة في وجوه المعزين. وخلال ساعات قليلة ينفض العزاء، فالبعض قدم الواجب بحب وإخلاص، وهناك من حضر رياء وسمعة، ويبقى صاحب العزاء وحيدا عسى أن تكون آخر الأحزان.