د. محمد فايز فرحات
ماجد منير
الأسرة القوية .. نواة المجتمع السليم
21 أغسطس 2024
عماد رحيم


قراءة متأنية فى بعض بيانات الزواج والطلاق فى مصر، فى الآونة الأخيرة، تشى ببعض الملاحظات المهمة للغاية؛ لاسيما أن الأسرة هى عصب المجتمع، ويجب تعضيدها، بشكل يجعلنا نشاهد مجتمعنا فى حال أفضل فى السنوات المقبلة.



قد تكون الملاحظة الأولى، عدد حالات الطلاق، فتقريبا تحدث حالة طلاق كل 117 ثانية، وهو رقم مرعب، وهذا يدل على أن هناك مشكلة كبيرة، تسبب هذا العدد الكبير.



ثم ما يعكسه الطلاق، من تفكك أسرى، وتشتت الأبناء، وفى أحايين متفرقة ضياعهم. أعلم أنه قد أٌجريت بحوث كثيرة عن أسباب الطلاق، لاسيما فى السنوات الأولى من عمر الزواج، وأغلبها أشار إلى اختلاف الطبائع بين الأزواج، وكذلك اختلاف التوقعات من الطرفين.



لكل طرف أحلامه، والواقع مختلف تماما، فيبدأ الصدام، ويحدث الطلاق، أما الغريب فإننا لم نتعلم من حالات كثيرة للطلاق حدثت و تحدث، وكأننا نسير فى طريق لابد أن نسير فيه دون أن نمعن التفكير.



ولنا أن نتخيل أن هناك كل 14 ثانية تقريبا مولودا جديدا، لا أعرف تحديدا، من سيقوم بتربيته الأبوين، أم أحدهما، أم شخص آخر خلافهما. وهذا من شأنه أن يلقى الضوء على كارثة إنسانية، لأننا بتلك الكيفية عرضة لنشوء جيل لم ينضج بشكل جيد، مما يجعله أداة غير سوية، ومن ثم يعرض المجتمع لبعض الأخطار.



الملاحظة الثانية، عدد حالات الزواج، تقريبا حالة كل 34 ثانية، أى ما يدور حول 900 ألف حالة بحسب تعداد 2022، وهذا الرقم يجعلنا ندرك أهمية وجود مراكز متخصصة لتأهيل الأزواج، والتأهيل هنا بمعنى حصولهم على برنامج متكامل ثقافى ، نفسى، علمى، يعمل على إيضاح الزواج كرباط مقدس، ويبين للمقبلين على الزواج، دور كل طرف للحفاظ على قوام الأسرة، ودورهم الأهم فى تربية الأبناء.



مثلما يحدث عند عمل الفحوصات اللازمة للأبوين، للتأكد من خلوهما من أى عائق للزواج، وقدرتهما على بناء أسرة بشكل مبدئى.



لقد وجهت الدولة فى آونة سابقة جل اهتمامها على تنظيم الأسرة، وأطلقت العديد من الحملات الدعائية التى تحض الزوجين على تنظيم الحمل، مع الاكتفاء بعدد صغير من الأطفال، حتى يتمكنا من تربيتهم بشكل جيد، وكانت تؤتى تلك الحملات ثمارها بين حين وحين. وبتنا الآن فى حاجة ملحة لحملات توعية، تبين قيمة الأسرة، وأهميتها، مع العمل على استحداث منهج دراسى، يناقش قيمة الأسرة، وكيفية بنائها، وضرورة الحفاظ عليها، بمقدار تعليمى يناسب كل مرحلة سنية، حتى ينشأ الأبناء وفى أذهانهم، أن الأسرة القوية أساس المجتمع السليم، تماما مثلما نشأنا على أن العقل السليم فى الجسم السليم.



للزوج دور كما للزوجة أيضا دور، على كليهما القيام به، ويجب أن تكون هناك مرجعية ننحاز إليها لتقيم الحياة الزوجية، فقد ساقتنى الظروف لمشاهدة بعض البرامج التى تتلقى شكاوى المواطنين، ورأيت سيدة تشكو حالها، فرد عليها الضيف برأى قاطع، ورأيت نفس السيدة تعرض مشكلتها على برنامج آخر، ليرد عليها ضيف مختلف، برأى مخالف، وحينما ألمحت لرأى الناصح السابق، قيل لها ، خذى بما ترغبين، والرأيان مختلفان، فأيهما الصحيح؟



لذلك أتمنى من الجهات الرسمية أن تمنع الفتوى فى البرامج التليفزيونية، إلا للمؤهلين فقط، والمٌصرح لهم بالفتوى، حتى لا يتعرض الناس للتشتت وتتوه الحقوق وأيضا الواجبات، ويزداد الطين بلة بدلا من معالجته.



المفروض منذ أن يرزقنا الله بالأبناء، فتاة صغيرة، هى الأم المستقبلية، وكما قال شاعرنا الكبير، حافظ إبراهيم، الأم مدرسة .. ألخ. والولد هو الأب فى قادم الأيام، من المهم جدا تنميتهم على تحمل المسئولية بطريقة منضبطة، ولأن هناك عشرات الطرق للتربية، فنجد عشرات من البيئات فى طرق التعاطى مع مفهوم الزواج.



هناك من يرون الزواج فى أٌطره فقط، مكان الإقامة وما فيه من تجهيزات و إمكانات، وعدد من الرفاهيات، فإن قلت أو ذهب بعضها، تغير منظور الحياة، وأصابها الملل والرتابة، وهناك من يرون الزواج قدس الأقداس، فيتم التعامل معه بأفضل ما يكون، المهم المضمون، فيطول عمر الزواج و تتوهج الحياة و تعلو درجة تليها درجة، لذلك قد لا يأتى الطلاق فى حالات مثل تلك.



لابد من تغير عدد من المفاهيم المغلوطة، أعتقد أنها منتشرة بين السواد الأعظم من الناس، تهتم بالشكل، فلابد من شراء ذهب بقيمة معينة، و لا أعرف ما الضير لو استبدلناه بالفضة، وكذلك عدد من الأشياء، قد لا يستعملها الزوجان على مدار حياتهم مرة واحدة، وتمتلئ الوحدات السكنية بأشياء لا ناقة للأزواج بها، ولكنه العرف، لذلك كلما كان البناء ماديا بحتا، كان الخلاف ماديا بحتا، ولا علاقة للقيم النبيلة ولا المشاعر الجميلة بشىء يمكن الحساب عليه، لذلك تجد المحاكم محملة بكم من القضايا المادية تماما. وهنا لا أهدر الحقوق المادية لطرفى العلاقة الزوجية، ولكن لا يجب أن تأخذ كل الاهتمام، دون باقى تفاصيل الحياة الزوجية.



أما فيما يتعلق بالأبناء، رعاية و مصروفات، يأتى ترتيبهم متأخرا جدا، لدرجة تشوه نفوس الأبناء، وتقودهم لمسالك غير سليمة، فتبدأ مشاكلهم المتنوعة، وبعدها نبحث عن حلول لها، تقام الندوات و ما شابه، دون أن نقترب من لب المشكلة.



إنه إذا أردنا مجتمعا قويا، علينا بالاهتمام بتكوين الأسرة القوية، ذلك الشاغل، توظيفه بالشكل المنضبط من شأنه أن يجعل مجتمعنا متميزا للغاية.