هذه كلمات أوجهها إلى أبنائنا (أو بتعبير أكثر دقة: أحفادنا!) الناجحين فى امتحان شهادة الثانوية العامة، الذين يتطلعون الآن للالتحاق بمؤسسات التعليم العالى (الجامعات و المعاهد الحكومية، والأهلية، والخاصة..) وأوجهها أيضا إلى أولياء أمورهم، لعلهم يساعدونهم فى مهمتهم الصعبة. أعلم جيدا أنها كلمات سبق أن كتبتها مرارا، ولكننى أعتقد، أن من الواجب على ألا أحجبها، بل و أسعى دوما إلى قولها وتكرارها . الكلمة الأولى، تأكد أن مستقبلك ونجاحك فى الحياة، لا يعتمد فقط على نجاحك فى دخول الكلية التى تحلم بها! قطعا، إن حدث ذلك و التحقت بتلك الكلية الحلم، فذلك أمر رائع..، ولكن إن لم يحدث، فلا تقلق ولا تبتئس أبدا، فربما يحمل ذلك لك مستقبلا أفضل بكثير مما كنت تتخيله أو تتمناه! الكلمة الثانية: إياك ووهم سخيف.. سخيف، فرضه الإعلام عندنا اسمه كليات القمة، وبالتالى فإن غيرها تكون كليات القاع!...، هذا كلام فارغ لا ترجمة له فى الحياة العملية! فأشهر العلماء والأدباء المصريين فى العقود الأخيرة مثل د. أحمد زويل صاحب جائزة نوبل لم يكن خريج طب ولا هندسة، وإنما خريج كلية علوم جامعة الاسكندرية عام 1967، و كذلك د. فاروق الباز الذى يعمل فى وكالة ناسا للفضاء فى الولايات المتحدة، وله أبحاثه الرائدة فى اكتشاف سطح القمر، الذى تخرج من قسم الجيولوجيا فى علوم عين شمس، عام 1958. ونجيب محفوظ، صاحب جائزة نوبل فى الأدب، تخرج من آداب القاهرة عام 1934 (والحمد لله أنه لم توجد فى وقته كلية إعلام!)... هذه مجرد ثلاثة نماذج فقط، ولكن هناك غيرها العشرات والمئات من العلماء ومن المبدعين فى الفنون والآداب، الذين أضاءوا حياتنا الفكرية والثقافية، ونبتوا فى زمن لم يعرف تقليعة كليات القمة وكليات القاع. إننى أناشد كتابنا وصحفيينا الأجلاء الإقلاع عن تلك التسميات المسممة، فذلك أيها السادة أمر يضر بأهم ثرواتنا القومية: ثروتنا البشرية!