هناك إصرار غريب من بعض الفضائيات العربية على الاستمرار فى بثّ أخبار مطوَّلة يومية عما تسميه ضربات شديدة ناجحة للمقاومة الفلسطينية ضد الجيش الإسرائيلى، مع صياغتها بلغة إنشائية مبالغة، مثل: دكّ قوات العدوان برشقات صاروخية كثيفة متوالية، أو: قصف متواصل لمواقع القوات الإسرائيلية بقنابل الهاون من عيار كذا، أو: إطلاق وابل من الرصاص على قوة إسرائيلية وإيقاع كل أفرادها ما بين قتيل وجريح، أو: نجاح كمين محكم للمقاومة الفلسطينية فى تصفية أعداد كبيرة من الجيش الإسرائيلى، أو: استدراج قوة إسرائيلية وتصفيتها، أو: تدمير دبابات وآليات إسرائيلية من المسافة صفر وقتل كل من بها..إلخ. وكما ترى، فهذه الأخبار، بهذه اللغة، تُوحِى باقتراب فناء الجيش الإسرائيلى، وتثير التعجب من أن الإسرائيليين لا يزال لديهم أمل فى كسب المعارك، أو أنها، فى الحد الأدنى، تعطى انطباعات للمتابعين بأن هناك ردود أفعال قوية لردع الجيش الإسرائيلى. والغريب أن يكون لمثل هذه الأخبار أولوية على ما تتابعه بالتفصيل وكالات الأخبار العالمية عن جرائم الجيش الإسرائيلى المخيفة، وعن هجمات المستوطنين الإرهابية ضد الفلسطينيين العزل وتحويل حياتهم إلى جحيم تحت حماية قوات الأمن الإسرائيلية، وعن تصريحات كبار مسئولى إسرائيل عن الإصرار فى القصف الوحشى للمدنيين العزل فى غزة، وعن تأييد أغلبية الجماهير الإسرائيلية لجرائم جيشهم الوحشية ضد المدنيين الفلسطينيين، وحتى لجرائم الاغتيالات لقادة فلسطينيين فى دول أخرى. ثم إن هناك خلطاً غير مفهوم، من هذه المعالجات الإعلامية، فى إبداء أن تظاهرات الإسرائيليين، الدائرة فى المدن الإسرائيلية، وكأنها تعترض على جرائم جيشهم وحكومتهم ضد الفلسطينيين!. مع ترك الأمر عائماً بما يوحى أن للمتظاهرين تصورات مغايرة عن الجرائم التى يرتكبها جيشهم!.
ليس هناك للمسئولين عن هذه المعالجات الإعلامية ما يشير إلى أنهم قد يغيرون سياستهم، ولا أنهم يدركون، ليس فقط لأن معالجاتهم لا تتطابق مع الواقع، وإنما إلى أنهم يبررون لإسرائيل جرائمها وكأن إسرائيل تدافع عن نفسها ضد هذه العمليات التى ينفخون فيها، كما أنها تُعطِى للجماهير الإسرائيلية، التى تصلها هذه المعالجات، مبررات أخرى، ليس فقط لتأييد جيشهم، ولكن لتخفيف إحساسهم بمشاركتهم لجيشهم فى هذه الجرائم.