الكَفُّ عن الشكوى مرفوض أحياناً، عندما يكون تعبيراً عن يأس واستسلام. لذلك ينبغى تشجيع كل من لا يزال لديه الهِمَّة على الشكوى من انتهاك القانون بالضجيج والقبح بما تجاوز قدرة الإنسان السوى على التحمل، لأن سَكَنَه فَقَدَ تماماً الارتباط بالسكينة، فى حين أن اشتقاقهما اللُغوى من جذر واحد! أنظر إلى هذه الرسالة من الأستاذة عفاف عبدالوهاب، وكيلة وزارة التعاون الدولى سابقاً، تعرض شكواها العامة التى تتقاسمها مع سكان حى المنيل، الذين صاروا جميعاً مؤرقين، من تحول الحى الراقى من الانضباط والهدوء إلى كل مظاهر الانفلات والتخلف بالفوضى والضوضاء، حتى صار الوضع خارجاً عن السيطرة أمام تحدى القانون الذى لا يجد محاسبة أو مساءلة: فآلات التنبيه تُستخدم عشوائياً دون انقطاع وبشكل مستفز، والتوكتوك الذى غزا مصر يعربد فى المنيل بعد أن انتشر بشكل وبائى، وركن السيارات امتد إلى ثلاثة صفوف تمنع حركة المرور وسير المشاة، ولا تزال عربات الكارو، ونحن فى عام 2024، تتجول بأنابيب البوتاجاز ويعلن الباعة عنها بالطرق عليها بصوت يخرق الآذان طوال النهار، دون أدنى مراعاة لوقت راحة السكان. وتتساءل صاحبة الشكوى: أين قرار المحافظة بمنع استخدام الكارو فى أحياء القاهرة؟ ولماذا لا تتحرك الأجهزة الرسمية لردع الباعة الجائلين لكل ما يمكن تخيله من سلع؟ ولماذا السكوت على تفشى انتشار عربات بيع القهوة باحتلال الأرصفة بطول الشوارع؟ وماذا عن المتسولين والنباشين والمتشردين الذين لجأوا إلى شوارع المنيل ليعيشوا تحت العمارات بأمتعتهم وأغطيتهم؟
وتقول الشاكية فى نبرة حزينة: إن أغلب سكان المنيل من الطبقة المتوسطة الذين نعموا فى السابق بالهدوء والسكينة، أما الآن، ومع كل هذا التدهور، فهم لا يملكون رفاهية القدرة على الانتقال إلى المنتجعات الجديدة ليحققوا حلماً إنسانياً بسيطاً بأن يقضوا ما تبقى من عمرهم فى هدوء.
سوف يُحسّ كل من يقرأ هذه الرسالة، من قاطنى الأحياء الأخرى، أنها تَعرِض لمعاناته شخصياً، وهو بعيد عن حى المنيل! ذلك لأن التراخى فى التعامل مع هذه الاختلالات تفشى بشكل يبعث على القلق على الكبار، وكذلك على الأطفال الذين ينشأون عليه فيرضخون له وكأنه أمر طبيعى.