يقال إنه من الضرورى أن تعرف الهدف حتى تعرف الطرق التى تصل إليه. وفى العلوم الإستراتيجية، فإن تحديد الأهداف بوضوح كامل أدعى إلى النجاح واختيار الأعلى عائدا والأقل تكلفة. وعندما كتب العميد طه حسين عن مستقبل الثقافة فى مصر، فإن الهدف كان اللحاق بالحضارة الأوروبية وأخذ التعليم وسيلة إلى دولة متقدمة اقتصاديا ولديها قوة متفوقة من "الدفاع الوطني". الآن أصبحت الحضارة الأوروبية حضارة عالمية فى جوانبها الاقتصادية تقوم على الأسواق المفتوحة والمنافسة القاسية والاعتماد المتبادل والقدرات التكنولوجية القادرة على التأقلم مع الحضارات المختلفة. ولم تعد الحضارة الأوروبية وحدها هى المقصد، وإنما الحضارات الآسيوية والأمريكية وفى مجموعها داخل مصفوفات من المراتب التى تتحدد عندها مكانة كل دولة ومجموعة من الدول المتشابهة القيم والثقافة. ما نريده لمصر أن تكون جزءا من عالمها وعصرها، وخلال السنوات العشر الماضية حققت مصر أمرين: أولهما أن تكون لديها بنية أساسية تقطع جزءا معتبرا من الطريق إلى هذه القيمة ليس فى المدن فقط وإنما فى الريف أيضا، وثانيهما أن يتحقق ذلك بسرعات غير معهودة وبراح ليس مألوفا.
هذا النوع من المسيرات كان شرطه الأساسى لدى العميد هو الاهتمام بالتعليم العام والإلزامى، ورغم أن الشائع قوله إن التعليم يكون كالماء والهواء متاحا للجميع، فإنه لم يستبعد حسابات التكلفة ومدى قدرة الدولة على تحملها والفارق فى ذلك بين الغنى والفقير والطبقة الوسطى. هذا الجزء من شروط استدامة التقدم نجده غائبا عن النخب السياسية والثقافية المصرية، وكان فرض حجة "فقه الأولويات" إستراتيجية لإدارة الفقر والبقاء فى الدول المتواضعة الثروة والمكانة. وما كان غريبا أن التصور الذائع عن التغيير والتقدم يفترض فيه أن يكون خاليا من الآلام التى نجدها صارخة فى تاريخ جميع الدول المتقدمة والتى نجمت عن الحروب الأهلية والمفارقة ما بين من يريدون التقدم واللحاق بالدول المتقدمة وهؤلاء الذين يريدون البقاء فى المحل سائرين.