ليس من المُتَوَقَّع أن تستجيب إسرائيل لنصائح مُخلِصَة من بعض أصدقائها، مثل الكاتب الشهير توماس فريدمان، فى مقال له الأسبوع الماضى بصحيفة (نيويورك تايمز)، ليس فقط لعجز الائتلاف الحاكم عن استيعاب مضمون النصائح، ولكن لأنه ليس من مصلحته أن يأخذ بها، لأنها تعنى أن يفقد أهم مكاسبه بفرض سياساته ليتمكن من إرضاء جماهير المتطرفين الإسرائيليين! وكان فريدمان حذَّر مع تولى الائتلاف السلطة فى 2022 من أن (إسرائيل التى نعرفها قد ذهبت)، ثم أكَّد فى مقاله الأخير أنها صارت (فى خطر وجودى)، وقد نصحها، حتى مع فشلها فى تحقيق أهدافها المُعلَنة، بوجوب الإسراع فى وقف القتال بغزة، وخوض مفاوضات جادة للإفراج عن أسراها، وأيضاً أن تنسحب بالكامل من غزة، وأن تَتَخَلَّى عن فكرة أن تحكمها، أو أن يكون لها سلطة على من يحكمونها، بل وأن تدع حماس تتولى الحكم.
وفى تفسيره لكيف يكون هذا فى صالح إسرائيل، قال إن مسئولية حكم غزة وتلبية الاحتياجات المُلِحَّة لسكانها وحل مشاكلها الهائلة، بعد أن تعرضت لهذا التدمير، تَعجز إسرائيل عن الوفاء بها إذا حكمت غزة بنفسها أو إذا سيطرت على من يحكمها، لذلك فإن الأفضل لإسرائيل أن يتحمل المسئولية آخرون، لأن أهل غزة، عندئذ، سيتوجهون باللوم إلى آخرين غير إسرائيل، على عدم توافر مياه الشرب والكهرباء والغذاء والدواء، وعلى عدم وجود فرص عمل، وعلى التأخر فى التعمير وبناء المنازل..إلخ، لأن تحقيق كل هذا تعوقه مشاكل لا تقدر على حلها إسرائيل ولا غيرها، مما يجعل من مصلحتها أن تسحب نفسها من هذه المسئولية، وأن تتيحها لآخرين. ويقترح فريدمان أن يتولى هذه المسئولية قادة حماس، وذكر السنوار بالاسم، لكى يخسروا بفشلهم فى الحكم ما حققوه خلال الأشهر الماضية.
وأما إذا استمرت إسرائيل فى مسارها، فيقول فريدمان إنه سيصير عليها أيضاً أن تَتَحَمَّل تصعيدَ حزب الله، الذى تزيد قوته كثيراً عن حماس، فيقدر أن يُنزِل بإسرائيل ضربات مُوجِعة عسكرياً واقتصادياً يصعب عليها أن تتحملها، كما أن جبهتها الداخلية قد تصدَّعت بالفعل، فى تبعات ما بعد 7 أكتوبر، قبل أن يدخل حزب الله بكامل قوته.