د. محمد فايز فرحات
ماجد منير
عسكرة الذكاء الاصطناعى والاستقرار الدولى
19 يونيو 2024
د. عادل عبدالصادق


ساعدت تطبيقات الذكاء الاصطناعى العسكرية والأمنية فى تحول القوة وخصائصها والفاعلين فيها وانتشارها فى النظام الدولى، وباتت العديد من الدول تدرك أن من يحكم سيطرته على الذكاء الاصطناعى سيكون له الغلبة والثروة والهيمنة، ومدفوعة بالمزايا الإستراتيجية على مستوى القوة الصلبة أو الناعمة.



وظهرت نظم القتال الذاتية مثل المسيرات أو الروبوتات المقاتلة او بالتوظيف النفسى والامنى للخوارزميات التى تتميز بانخفاض التكلفة وسهولة الإصابة للأهداف الإستراتيجية، وعلى الرغم من الاحتكار التقليدى للدول الكبرى لأنظمة التسلح المتقدمة أصبح يوجد فرص رغم التحديات لانتشار وتطوير وإنتاج واستخدام أسلحة الذكاء الاصطناعى أمام الدول الصغرى والمتوسطة فى النظام الدولي.



وأصبح لشركات التقنية الكبرى دور فاعل فى تطبيقات الذكاء الاصطناعى فى مقابل تراجع دور الدولة خاصة مع سيطرتها على المنصات الرقمية .وبما يهدد بوجود سوق سوداء لبيع تلك الأسلحة ووصولها إلى فاعلين آخرين كالجماعات الإرهابية أو الإجرامية .



وما يزيد من تداعيات انتشار تطبيقات نظم الأسلحة ذاتية القيادة هو طابعها العابر للحدود، وتصاعد سباق تسلح بين القوى الكبرى فى الاستحواذ على تلك القدرات التدميرية للذكاء الاصطناعى، سواء عبر القدرات الوطنية او بالتعاون الدولي.



ومحاولة الولايات المتحدة منع تصاعد قوى دول أخرى سواء بفرض عقوبات لتقييد نمو البنية التحتية للذكاء الاصطناعى او بمنع انتقال المعرفة او التقنية او المواد الخام اللازمة لذلك التقدم..وتطوير آليات لمراقبة استخدام الرقائق الرقمية المتقدمة، وحتى التفكير فى توجيه ضربات جوية ضد مراكز البيانات المارقة التى تنتهك الحظر المفروض عليها. وتنقل عسكرة الذكاء الاصطناعى تكلفة الحرب إلى المدنيين أو المنشآت المدنية وزيادة احتمالية الانخراط فى الصراع وشن الهجمات غير التمييزية، وذلك مع قلة الاعتماد على الجنود وقلة الضرر الواقع عليهم وسرعة تنفيذ الأهداف العسكرية او الامنية. وهو الأمر الذى من شأنه أن يحدث تطورا مفاجئا فى مجريات الحرب .ويزيد من خطر نشوبها .والحد من فاعلية الردع فى ظل تعاظم فرص شن هجوم مفاجئ، والذى يجمع بين فاعلية الأطراف فى شن الهجوم والاستحواذ على قدرات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع فى إصابة الأهداف المتحركة وضربها بسرعة وبدقة وهو ما يزيد من ميزة الضربة الأولى.



وقد يغرى تعاظم القدرات العسكرية للأطراف للقيام بهجمات لشل نظم التحكم والسيطرة والاتصالات أو فى عمل نظم الإنذار المبكر أو فى ضرب نظم الصواريخ والطائرات وهو ما يعمل على تعطيل فرص التهدئة والمفاوضات جراء هذا التصعيد وبما يطيل من امد الحرب.



وتؤدى عملية تطور أنظمة الذكاء الاصطناعى للتنبؤ بتكتيكات العدو أو بنشر المعلومات عن القوات أو وضعية أهدافه إلى التأثير فى وضعية الاستقرار، خاصة فى مجال الأسلحة المتقدمة أو الردع النووي. وهو ما يدفع الخصوم للقيام بهجمات استباقية لتدمير تلك القدرات قبل أن تشكل خطرا عليها، وهو ما يزيد من خطر تصاعد الأعمال الانتقامية فى العلاقات الدولية ،فى ظل تصاعد حالة عدم اليقين، واحتمالات زيادة القدرات الذاتية لتطبيقات الذكاء الاصطناعى فى اتخاذ القرار دون العودة إلى البشر وهو ما يكون له تأثير سلبى على التوازن الإستراتيجي.



ومن جهة أخرى يؤدى توظيف الذكاء الاصطناعى سواء عبر الخوارزميات اوالروبوتات البوتات فى نشر الأخبار المضللة والمزيفة إلى تضليل الرأى العام و بناء تصورات وإدراكات غير حقيقية ،وبما يكون لها دور فى اتخاذ قرارات خاطئة ومن ثم تقويض الاستقرار الإستراتيجي. وإمكان تعرض قرارات الحرب لهامش الخطأ عبر تطبيقات الذكاء الاصطناعى وذلك على الرغم من أهمية دورها فى التحليلات التنبؤية والتى لا يمكن الوثوق فى توقعاتها بشأن نتائج الصراع الدولى.



وتعتمد الأسلحة ذاتية القيادة فى تحركها على المعطيات التى تم ادخالها فى زمن سابق للحرب والتى يمكن أن تتغير باستمرار ومن ثم تحدث الفجوة بين أهداف المشغل لها - الجيش - ونتائج استخدامها. وتجاهل اهمية العنصر البشرى المبتكر فى الحرب او بإمكان اختراق نظم المعلومات والتلاعب بها . وتتيح تقنيات الذكاء الاصطناعى فرصا لتحقيق توازن القوى بتطوير الخصم لقدراته بأقل تكلفة وبالمهارات البشرية والتى تحرك المشهد من بعيد بما يجعل هناك نمطا متطورا من حروب الاستنزاف المدعومة تقنيا، وإمكان توازن الردع بين الأطراف المتحاربة إلا أن هناك فرصا لتحقيق المعركة الصفرية عندما يتمكن طرف من امتلاك القدرات وتفعيلها ومن ثم إلغاء قدرة الطرف الآخر من امتلاك المزايا الإستراتيجية فى الحرب.



ودفعت التحديات بشأن تصاعد عسكرة الذكاء الاصطناعى بحراك عالمى تقوده المنظمات الدولية المعنية والتكتلات الإقليمية والشركات التقنية والدول الكبرى لحوكمة الذكاء الاصطناعى وتوظيفه فى النفع العام الدولى، وذلك على الرغم من التباين فى موقفها وتبنى الكثير من الدول إستراتيجيات دفاعية جديدة تضمنت إعادة تعريف أمنها القومى وتعزيز قدراتها الوطنية، ويفرض ذلك أن تكون الجهود الدولية لتنظيم أسلحة الذكاء الاصطناعى أكثر سرعة وديناميكية وفهما لحجم التطور المتسارع فى تلك التطبيقات. وتنظيم قواعد استخدام الذكاء الاصطناعى دوليا فى الجيش أو العمل العسكرى والتوصل الى اتفاق دولى ملزم حول الأسلحة ذاتية التشغيل، وإمكان تطبيق قوانين الحرب على أسلحة الذكاء الاصطناعى، والتحكم فى تلك التطبيقات ومنع خروجها عن السيطرة البشرية، وتعزيز مسئولية جميع أصحاب المصلحة فى منع إضرار تلك التطبيقات بالسلم والأمن الدوليين.