عبر نصف قرن من الكتابة الصحفية..، قليلة للغاية هى السنوات التى لم أكتب فيها محتفلا بشم النسيم! يرتبط هذا بالأساس بيقينى الذى لايتزعزع بالهوية المصرية، التى أراها سابقة على أى هوية أخرى! فمصر، وتاريخها، وحضارتها، سابقة على الجميع. إنها موجودة قبل كل الحضارات ، وقبل كل الدول، وقبل كل الأديان! إنها البلد الوحيد الذى يذكر اسمه متكررا فى التوراة والإنجيل والقرآن! أليست هى البلد الذى ولد فيه نبى الله موسى، واحتضن المسيحية منذ أن رحلت إليها السيدة مريم وابنها يسوع المسيح، وتكرر ذكرها فى القرآن الكريم: «ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين».؟ واتساقا مع هذا الاعتزاز بمصريتى، أعتز كثيرا بيوم شم النسيم، الذى احتفل به المصريون منذ آلاف السنين، كما تسجل ذلك الآثار الفرعونية، وحافظوا على تقاليد الاحتفال به عبر السنين، بدءا من أكل السمك المملح (الفسيخ) والبيض الملون، وحتى الملانة ...هل تعرفونها..؟ إنها نبات الحمص الأخضر! .و تسرنى كثيرا الحقيقة التى ذكرتها معتزا بها مرارا، وهى أننى ولدت فى يوم شم النسيم كما قالت لى ذلك أمى رحمها الله، والتى كانت تحرص على الممارسة الحرفية لكل تقاليد ذلك اليوم، وعلى غرس تقاليده فى أذهاننا، بدءا من إعداد وتناول أكلاته التقليدية ، من الفسيخ والبيض الملون إلى البصل الأخضر والملانة؟ وحتى الخروج للنزهة فى الحدائق، لذلك فإننى غالبا لم أغفل عن الكتابة السنوية عن تلك المناسبة! غير أننى...، وبنفس المشاعر الحزينة التى كتبت بها عن مناسبات عيد الفطر، وعيد القيامة هذا العام...لا يمكننى أيضا أن أتجاهل آلام غزة و أهلها المشردين، الذين فقدوا أحباءهم، و بيوتهم، وتحطمت بيد العنصرية الإسرائيلية البغيضة أحلامهم وآمالهم! شم النسيم، هذا العام، أيها السادة... يفقد حلاوته و بهجته...، ولكنه يظل يذكرنا ببلدنا العزيز ــ مصر ــ التى يدرك جيدا أهل إسرائيل تاريخهم القديم فيها، وخروجهم مطرودين منها!.