عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
«المصالحة» لإعادة التأهيل والإدماج (1)
15 يونيو 2023
وفاء صندى


ضمن فعاليات المعرض الدولى للكتاب فى العاصمة المغربية الرباط، نظمت المديرية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج ندوة حول برنامج «مصالحة» لإعادة تأهيل وإدماج السجناء المحكومين فى قضايا الإرهاب بتأطير من الدكتور احمد عبادى، امين عام الرابطة المحمدية للعلماء، ومشاركة سجناء سابقين ممن استفادوا من البرنامج وأدلوا بشهاداتهم بخصوص هذه التجربة.



قبل الحديث عن برنامج «مصالحة»، باعتباره أحد البرامج الملهمة لإعادة تأهيل وإدماج المتطرفين العنيفين داخل السجون، لابد أولا من التذكير بمخاطر التطرف داخل المؤسسات السجنية باعتبارها بيئة حاضنة. أسباب تكاثر الفكر المتطرف داخل السجون متعددة ومعقدة، منها ما هو مرتبط بالاكتظاظ وتأثير مجموعة من المساجين، الأشد خطرا وتطرفا، على باقى المجموعات.



هناك من يتم استقطابهم بطرق تستثمر الجانب النفسى لديهم. المجرم الذى يشعر بالندم على ما اقترفه ويسعى للتوبة، لا يجد أمامه سوى الشخص المتطرف الذى لا يجد اى صعوبة فى استغلال حالة الندم لديه والرغبة فى التوبة من أجل شحنه بأفكار متشددة تكون، بالنسبة له، هى الخلاص وطريق النجاة. وهناك من يتم شحنهم بأفكار مغلوطة عن الدين وسط محيط مغلق لا يملك معه المسجون إلا القبول والاستسلام لما يعرض عليه من أفكار.



هناك نماذج كثيرة لقادة متطرفين، تطرفوا على الأقل جزئيا، داخل أنظمة السجون التى تعتبر بيئة مواتية لتجنيد وتلقين أتباع جدد، وإعادة هيكلة شبكات المتطرفين، وتعزيز أيديولوجيتهم المتطرفة، وتبادل الأفكار والتعلم من الأشخاص المتشابهين فى التفكير. ومن المحتمل أن يؤدى قضاء فترة فى السجن إلى تسريع عملية التطرف نتيجة العزلة عن المجتمع السائد، وأيضا، من خلال تعريض النزيل للأيديولوجيات التى يكون بعض الأشخاص عرضة لها بشدة.



تواجه إدارات السجون فى جميع أنحاء العالم معضلة الاختيار بين فصل أو عدم فصل المسجونين المتطرفين العنيفين عن المجرمين العاديين. فى كثير من الأحيان، تميل سلطات السجون إلى عدم فصلهم عن سجناء الحق المدنى لأنهم يخشون إبقاء جميع المتطرفين معا. مع ذلك، لا توجد أدلة كافية تثبت أن دمجهم مع باقى المجرمين هو قرار أفضل من حيث مكافحة التطرف العنيف. أظهرت التجارب فى مجموعة متنوعة من السجون فى بلدان مختلفة خطر الجمع بين المجرمين العاديين والإرهابيين. أظهرت بعض الحالات أنهم تعلموا من بعضهم البعض، وأن السجناء المدفوعين أيديولوجيا نجحوا



فى تجنيد عناصر جديدة. يزداد خطر التطرف داخل السجون عندما يتعلق الامر بمتطرفين ممن يحظون بحضور وكاريزما، بحيث يسهل تواصلهم مع السجناء العاديين، يعرفون مظالمهم، ويحدثونهم تدريجيا فى معتقداتهم المتطرفة. أيضا، يزداد خطر التطرف عندما يكون المتطرفون أقوياء داخل السجن، ويتم إكراه باقى السجناء على الانضمام إلى قضيتهم، إما كرها وخوفا أو تحت سطوة المال.



مقابل تزايد حالات التطرف والاستقطاب داخل السجون، تبقى الإجابة عن سؤال كيفية مواجهة هذا الخطر المتنامى غير سهلة على الإطلاق. السجون هى بيئات يتم فيها احتجاز الأفراد الساخطين والعنيفين والمتطرفين العنيفين من أجل معاقبتهم من قبل الدولة. غالبا ما تكون السجون مزدحمة وغير صحية وغير مريحة. يميل الأفراد المحتجزون فى مثل هذه الأماكن إلى تقبل الأيديولوجيات التى تؤيد العنف المعادى للمجتمع والمناهض للدولة وتقدم إجابات بسيطة، ولكنها متعصبة لمظالمهم. ومع ذلك، يمكن ان توفر السجون فرصة للتغيير الإيجابي. يمكن ان تشكل مكانا يتم فيه نقض التطرف العنيف. السجناء يعيشون فى بيئة مسيطر عليها، يمكن من خلالها تقليص التأثيرات السلبية السابقة التى دفعتهم نحو الإرهاب. ويمكن ان يكونوا محاطين بعاملين واخصائيين نفسيين ومرشدين دينيين يشجعونهم على اتباع مسارات أكثر إيجابية.



تحاول بعض الحكومات الحد من مخاطر التطرف داخل السجون من خلال برامج فك الارتباط بالعنف وإعادة تأهيل المتطرفين العنيفين. من بين البلدان التى لديها برامج لنزع التطرف وفك الارتباط، هناك أفغانستان وإندونيسيا والفلبين والمملكة العربية السعودية وسنغافورة واليمن والأردن، بالإضافة الى تجربة مصالحة فى المغرب. تعتمد جل هذه البرامج على ذات المقاربات وهى تتمحور حول إعادة التأهيل من خلال التأهيل النفسى للنزيل، وإعادة التثقيف الدينى من خلال تصحيح بعض المفاهيم المغلوطة وفك الارتباط بالعنف، ثم إعادة الإدماج الاجتماعى من خلال التدريب المهنى او إتمام الدراسة من داخل السجن.