عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
تصديرُ الشعبوية بعدَ الديمقراطية!
14 يناير 2023
د. وحيد عبدالمجيد


محاكاةُ لاقتحام مبنى الكونجرس الأمريكى فى 6 يناير 2021. ولكنها محاكاةُ مزيدة (بَلس) قام بها أنصارُ الرئيس البرازيلى السابق جايير بولسونارو، إذ شمل الاقتحامُ القصر الرئاسى ومبنى المحكمة العليا إلى جانب البرلمان. فترةُ بولسونارو الرئاسية نفسُها كانت فيها محاكاةُ لكثيرٍ مما فعله الرئيس الأمريكى السابق ترامب حين سكن البيت الأبيض.



دخل بولسونارو قصر بلانالتو فى أول يناير 2019، أى فى ذروة انتعاش ترامب، وتسليط الأضواء على ممارساته الشعبوية. كان ترامب قد أمضى عامين تقريبًا فى البيت الأبيض, عندما بدأ بولسونارو السير على خطاه. حاول ترامب أن يضع نفسه فوق المؤسسات الدستورية كلها، متصورًا أن ثمة علاقةً مباشرة تربطهُ بالشعب، وأن تغريداته عبر تويتر تصلُ إلى الناس بشكلٍ مباشر. وهذا هو جوهرُ الفكرة الشعبوية، التى تنطوى على تناقضٍ بنائى. فالسياسىُ الشعبوى لا يحاولُ الارتفاع فوق المؤسسات الدستورية فقط، بل فوق الشعب الذى يتخيلُ أنه يتحدثُ باسمه. ويبلغُ التناقضُ ذروته حين يكونُ نصفُ الشعب معارضًا له.



انتقلت الشعبوية، إذن، من الولايات المتحدة إلى خارجها. صار نموذجُ ترامب الشعبوى مُلهمًا، وبدأت تجلياتُ هذا الإلهام فى البرازيل، وقد لا يقتصرُ عليها، فى الوقت الذى كفت الديمقراطيةُ الأمريكية عن أن تكون مصدر إلهامٍ منذ عدة عقود. الإلهامُ يُحدثُ أثره نتيجة إعجابٍ تلقائى بنموذجٍ ما، وبدون أن يحاول صاحبُ هذا النموذج ترويجه، ناهيك عن أن يسعى إلى فرضه .



وكانت الديمقراطيةُ الأمريكية مصدر إلهامٍ بهذا المعنى لفترةٍ طويلة منذ أوائل القرن التاسع عشر. فقد ألهمت بلدانًا أوروبية، وغيرها, منذ أن كتب المؤرخُ والسياسىُ الفرنسى ألكسيس دو توكفيل كتابه المشهور (الديمقراطية فى أمريكا) الذى نُشر فى جزءين عامى 1835 و1840، أى حين كانت فرنسا فى حالة مخاضٍ ديمقراطى صعبٍ وطويل امتد حتى سبعينات القرن 19. واستمر هذا الإلهامُ إلى أن انقلبت إداراتُ أمريكية عدة عليه بعد الحرب العالمية الثانية وتدخلت لإسقاط نظمٍ ديمقراطية، وأعقبتها إداراتُ حاولت تصدير الديمقراطية بأساليب مختلفة. وبعد أن أخفقت هذه المحاولاتُ، أصبح الإلهامُ الشعبوى الترامبى أحدث الصادرات الأمريكية.