لا يصح الاعتماد على مصدرٍ واحد بشكل آلى بغض النظر عن الظروف والمتغيرات. عجت وسائلُ إعلامٍ كثيرة بتقارير عن الآثار الاقتصادية لفوز منتخب الأرجنتين بكأس العالم على الاقتصاد. وحملت كلها بُشرى لهذا البلد الغارق فى أزمة اقتصادية ومالية كبيرة.
تستندُ هذه البُشرى على نتائج دراسةٍ سابقة أُجريت فى جامعةٍ بريطانية، وأهمها أن الدول الفائزة منتخباتُها بكأس العالم تُحقَّقُ معدلاتٍ أعلى من النمو الاقتصادى فى الفترة التالية لأسبابٍ أهمها اثنان. الأول أن الفوز يؤدى إلى زيادة الصادرات بسبب توسع نطاق الإقبال على شراء منتجاتها فى البلدان المستوردة. والثانى أن الفوز يُحسن الحالة المعنوية للمستهلكين ويؤدى إلى زيادة الإنفاق المحلى. واعتمد معدو تلك الدراسة على مسحٍ للأوضاع الاقتصادية فى الدول التى فازت منتخباتها بكأس العالم فى العقود الأخيرة. وعلى سبيل المثال قفز معدل هذا النمو فى البرازيل عقب فوز منتخبها فى مونديال 1994، وفى مونديال 2002. وكذلك كان الحال بالنسبة إلى إيطاليا بعد فوز منتخبها فى مونديال 2006، وفرنسا عقب مونديال 1998.
ورغم أن هذه القفزة لم تتكرر فى فرنسا عقب مونديال 2018، ولم تحدث فى بلدان أخرى فازت منتخباتُها بكأس العالم، فقد صارت هذه الدراسةُ دليلاً لغير قليلٍ من المهتمين بالعلاقة بين الفوز فى المونديال والوضع الاقتصادى، خاصةً بعد أن اعتمدت عليها وكالة بلومبرج فى تقريرٍ بثته قبل أيام. ولكن هذا دليلُ لا يدل، ولا يرشد، بل ربما يُضلَّل حين يُغفلُ أثرُ اختلاف الظروف. وفى حالة الأرجنتين اليوم يتعذرُ التأكد مما إذا كان الفوزُ بكأس العالم سيُفيد اقتصادها من عدمه. يصعبُ توقع هل ستزداد قيمة صادرات الأرجنتين فى مرحلةٍ يسودُها انخفاض القدرة الشرائية فى كثيرٍ من الدول، رغم ضخامة اقتصاد الأرجنتين وتنوعه.
أما زيادة الإنفاق المحلى فمشكوكُ فى إمكان حدوثها بسبب الارتفاع الشديد فى الأسعار. وبافتراض أن هذا الإنفاق سيزيد، قد يؤدى إلى مزيدٍ من الارتفاع فى معدلات التضخم.
والمستفاد، هنا، أن عدم تدقيق ما يُروَّج له أو يُستندُ عليه فى حالة أو أخرى صار خطأً شائعًا فى الإعلام، ومؤشرًا إلى تدهورٍٍ معرفى متزايد.