عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
فضيلة الحوار
6 نوفمبر 2022
د. على الدين هلال


الحوار هو فضيلة ينبغى التمسُك بها وممارستها فى أغلب الأوقات، فالحوار يتضمن معانى التسامح، وقبول التعددية، وحُرية التعبير، والاعتماد على النقاش، ومقارعة الحجة بالحجة كآلية للوصول إلى اتفاق أو توافُق. وخلافا للأفكار السلطوية والتسلطية التى تعتبر أن الخلاف فى الرأى مظهر لضعف المجتمع، فإن الحقيقة هى العكس تماما. فالخلاف بين الآراء وتعدد الأفكار والاجتهادات والتعبير عنها بشكل علنى هو مظهر لتماسك المجتمع وقوة الدولة. وذلك لأن جوهر قوة الدولة ينهض على تماسك مجتمعها وترابطه، وارتباط أبنائه بالسياسات والطموحات التى تتبناها الدولة.



لابد من التسليم بأن التعددية هى سنة الخلق وناموس الحياة. فلو كان الله سبحانه وتعالى يريد أن يكون كل البشر من لون واحد أو سمات جسمانية واحدة أو يؤمنون بديانة واحدة لفعل. وفى المٌقابل، نجد أن التنوع هو الأصل فى الأشياء فنجده جليًا فى كل مظاهر الحياة والمجتمع. وترتيبا على ذلك، فإنه من الطبيعى أن تتنوع آراء الناس فى القضايا العامة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأن تكون لهم توجهات متعددة. ونستطيع أن نلحظ ذلك فى سلوك المحيطين بنا، فآراء بعضهم تبدو أكثر محافظة وتخوفا من التغيير، بينما تكون آراء بعضهم الآخرأكثر جرأة وقبولًا للتغيير، وبعضهم الثالث بين هذا وذلك.



فالبعض يمارس حياته فى إطار الحلول التى تعود عليها،حتى وإن كانت قد بدأت فى فقدان قيمتها وفاعليتها، بينما يبحث البعض الآخرعن حلول جديدة ومبتكرة وخارج الصندوق. وبينهما فريق ثالث يتبنى مواقف وسطية. وهذا التمايز بين الآراء والاجتهادات وأنماط السلوك نجده عند الأفراد فى علاقاتهم الاجتماعية، وفى سلوكيات وقرارات قادة الدول ورؤسائها.



كما نجده أيضًا فى برامج الأحزاب السياسية وخُططهاومُقترحاتها بشأن السياسات العامة للدولة. هذا التنوع هو مظهر لثراء المجتمع، فالمجتمعات الحية هى التى يرتبط مواطنوها بقضاياها العامة ويطرحون الأفكار لتطويرها وتقدمها وتختلف آراؤهم وتتنوع. وهو أيضا مصدر قوة لصناع القرار ومتخذيه إذ يجدون تحت نظرهم بدائل واختيارات متنوعة ومختلفة، فيستطيعون اختيار الأفضل منها فى ضوء التكلفة المترتبة على كل بديل والعائد المتوقع منه.



ويمكن القول إن تطور النظام الديمقراطى فى العالم هو تاريخ بناء مؤسسات الحوار والنقاش العام، فجوهر مفهوم الديمقراطية هو السعى للوصول إلى القرارات والسياسات التى تتصل بالصالح العام من خلال النقاش والحوار. وكان أقدم نماذجها التطبيقية هو نظام الديمُقراطية المُباشرة الذى تمثل فى «الإكيلازيا» أو الاجتماع الشهرى فى مدينة أثينا القديمة والذى كان يحضره كل مواطن أثينى للبحث فى أمور المدينة واتخاذ القرارات بشأنها. وضمانا لحضور جميع الأثينيين، فقد كانت إدارة المدينة تدفع أجر هذا اليوم للفقراء تشجيعا لهم على الحضور حتى لا يتحملوا أعباء مالية أو يضطروا للتغيُب عن الحضور. وفى العصر الحديث ومع ازدياد عدد السُكان وتعقد سُبل الحياة، نشأت المجالس النيابية لتوفير الإطار المؤسسى لإدارة النقاش والحوار بين ممثلين منتخبين من الشعب.



وفى نفس السياق، نشأت الأحزاب السياسية لتجمع بين الأفراد من ذوى الآراء المُتقاربة أو المصالح المُشتركة. ينبنى الحوار السياسى بين الأحزاب والتيارات السياسية والفكرية فى المجالس النيابية وفى المجال العام بين أشخاص لهم رؤى متنوعة ومتعددة قد تكون مخالفة لبعضها البعض بشكل عام، وقد تكون مختلفة فى بعض العناصر دون غيرها، وقد تكون متوافقة فى تشخيص مشكلة ما، ولكنها تختلف فى الحلول وكيفية التنفيذ. وأيا كان الأمر، فإن ما يجمع بينها هو علاقة القبول المتبادل والسعى لإيجاد «نقاط الالتقاء» و«المساحات المشتركة» وإقامة الجسوربينها.



الحوار إذن يُنمى فضيلة ترابط أبناء الوطن الواحد وتكامُل جهودهم وشعورهم بأنهم جميعًا مواطنون فى وطن واحد. فهو عملية تبادل للآراء وتواصل يستمع فيها كل طرف للآراء الأخرى، ويسعى فيها الجميع إلى فهم بعضهم البعض، وإزالة الالتباسات وسوء الفهم، وذلك فى إطار من الاحترام المتبادل.



كما أن الحوار يُنمى النظرة الواقعية وثقافة «حل المشاكل»، ففى الحوار الناجح لا تتم مناقشة المبادئ الفلسفية والمعتقدات السياسية لكل طرف وإنما يدور حول مشكلات وتحديات قائمة يشعر أطراف الحوار بأخطارها على الوطن، فيسعون لبحثها وتقديم الحلول لها. نقطة البدء إذن، هى الواقع المعاش وتحديد المشكلات، وتشخيصها، ويتطلب ذلك المعرفة بعناصر المشكلة وبالمعلومات الأساسية عنها، مثل متى ظهرت وكيف تطورت وما هى العناصر المؤثرة عليها، وخبرات الدول الأخرى فى التعامل معها، ثم النظر فى الحلول المقترحة لها، والمقارنة بينها واختيار الحل الأمثل.



من فضائل الحوار أيضًا، أنه لا يوجد فيه فائزون وخاسرون، فالحوار لا ينتهى بفرض أحد الأطراف وجهة نظره على الآخرين، بل إن الحلول التى يتم التوصل إليها تكون نتيجة التفاعل بين الآراء المختلفة والأخذ من كل رأى أفضل ما فيه بحيث يكون الرأى التوافقى خُلاصة لأكثر من رأي.



ومن فضائله تكريس قيمة الحُرية، فالحوار يجمع كل الفرقاء حول مائدة واحدة ويتيح لهم جميعا حرية التعبير عن وجهات نظرهم، وأنه فى أغلب الأحوال يؤدى إلى حوار مجتمعى أكبر والخروج من الغرف التى يتم فيها الحوار إلى ساحات أرحب فى الأحزاب والنقابات والجامعات ومراكز البحوث. وهو ما يحدث الآن بالنسبة للحوار الوطنى فى مصر حيث تعددت الأنشطة المُرتبطة به ومنها الندوات التى نظمها الحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعي، وتنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، والمجلس الأعلى للثقافة، وجامعة طنطا، ونقابة عمال الطباعة، وندوة اليوم السابع لقادة حزب الكرامة.



وهى الأنشطة التى أتمنى أن تزداد وتشمل كل المحافظات والفئات الاجتماعية.