لا عجب فى أن يلعب عدد كبير من اللاعبين من أصولٍ إفريقية بقميص المنتخب الفرنسى، وكذلك البلجيكى، وأن يمثل عددُ أصغر حتى الآن بلدانًا أوروبية أخرى فى المونديال. ولا غرابة، فى المقابل، أن يضم كثير من منتخبات البلدان الإفريقية لاعبين فى أنديةٍ أوروبية أتاحت لهم فرصًا لصقل مواهبهم وتنمية خبراتهم.
وجدتُ أن هذين التعليقين هما الأبرز فيما تلقيتُه تعقيبًا على اجتهاد 23 أكتوبر (موسم الأفارقة). ففى كلٍ منهما دليل على أن كرة القدم لم تعد تعرف الحدود بين الدول، والحواجز بين الأعراق والأديان. وهذا طبيعى فى لعبةٍ يمكنُ أن نعتبرها رائدة العولمة قبل عصرها بزمنٍ طويل، إذ يُعدُ الاتحاد الدولى لكرة القدم (الفيفا) من أقدم الاتحادات، والهيئات، التى اكتسبت طابعًا عالميًا، إذ بدأت الجهود لإنشائه فى أواخر القرن التاسع عشر، ثم أُعلن تأسيسه عام 1904.
ولهذا بدأ التفاعلُ المباشر بين لاعبى كرة القدم فى مناطق متزايدة من العالم مبكرًا جدًا، وكان الأوسع نطاقًا فى أوائل القرن الماضى. لكن هذا التفاعل دخل فى مرحلة جديدة مع تحول لعب كرة القدم من هوايةٍ جميلة إلى احترافٍ يحكمه منطق البيزنس، إذ توسعت عملياتُ شراء خدمات اللاعبين وبيعها، وأصبح فى عددٍ كبيرٍ جدًا من الأندية لاعبون من بلدانٍ أخرى، ولكن بقيت أوروبا هى المركز الرئيسى لانتقال أبرزهم جيئة وذهابًا.
ومن الطبيعى، والحال هكذا، أن نجد فى أوروبا الآن مئات اللاعبين من أصولٍ أخرى أغلبهم من بلدانٍ إفريقية. ويحصلُ كثيُر منهم على جنسية البلد الذى يلعب كلُ منهم فى أحد أنديته.
أما من لا تتاحُ له فرصةُ اللعب بقميص البلد الذى يحملُ جنسيته الثانية، أو لم يحصل عليها، فهو يلعبُ بقميص منتخب بلده الأصلى إذا كان مميزًا. وهؤلاء يصعب حصر عددهم فى مونديال 2022. لكن إحصاءً أُجرى خلال مسابقة كأس الأمم الإفريقية العام الماضى، أظهر أن عدد حاملى جنسياتٍ ثانية فيها نحو 250 لاعبًا.
وهكذا تزداد عولمةُ كرة القدم فى الوقت الذى تُثار أسئلةُ عن مستقبل العولمة الاقتصادية والثقافية فى الفترة المقبلة.