عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
طريق العمل والعلم
28 أكتوبر 2022
بقلم ــ عـــلاء ثابت


ملحمة يسطرها الشعب المصرى بعمله وتضحياته، وقيادة تتطلع نحو المستقبل وتدرك أن الأحمال ثقيلة، وأن وقتا طويلا مضى هباء، وعلينا تعويضه بقفزات متلاحقة لنكون فى ركب البلدان الأكثر تطورا كما يليق بنا، تلك هى المعادلة الشاقة. الرئيس السيسى استثمر التفاف الشعب حوله أفضل استثمار واختار الطريق الشاق مستفيدا من هذا الالتفاف الشعبى حوله، ليختزل الزمن نحو النهوض فما كان يجرى تشييده فى سنوات أصبح حقيقة فى شهور، وكأنه سباق مع الزمن وينظر إلى التاريخ الذي سينصفه، وأن عشرات المدن الجديدة من الجيل الرابع والدلتا الجديدة والطرق التى شقت الصحراء لتضيف إلى مصر أضعاف مساحتها المأهولة فكانت ثورة عمرانية من طراز خاص، ستغير وجه مصر لحقبة طويلة؛ فالعمران ليس مجرد مواد بناء بل أسلوب حياة وتفكير وإذا كان الكثيرون منا قد اعتادوا ما ألفناه طوال العقود الماضية؛ فإن المشكلات كانت كفيلة بانهيار على كل المستويات، منها الزحام والعشوائيات وتجريف الأراضى الخصبة ومبانى الطوب الأحمر الكريهة وفوضى البناء بلا مرافق والكثير جدا من مظاهر التراجع.



لكننا اعتدنا تلك المظاهر حتى اعتقدنا أنها طبيعة الأشياء، وإن كان كثيرون منا قد تحدثوا عن تلك المشكلات وحذروا من تجريف الأراضى الزراعية أو تشويه المدن بالعشوائيات التى زحفت على الحواضر بعادات لا تنتمى إلى الريف أو المدينة، إنما عادات الازدحام العشوائى المشوه لكل شيء؛ لا نظام يحكم سلوكنا سواء فى الشوارع أو المرور أو السلوك الاجتماع، كل شيء بدأ ينمو على التشوه والعشوائية، لكن الرئيس عبدالفتاح السيسى قرر أن يخوض المعركة ضد كل هذا القبح، وأن يعيد إنتاج القرية المصرية وينشئ مدنا جديدة وشبكات مواصلات حديثة، وأن يجتاز الصحراء ويعمر على طول مصر وعرضها، من مرسى مطروح غربا وحتى سيناء والبحر الأحمر شرقا، ومن أسوان الجديدة جنوبا إلى العلمين الجديدة شمالا، إنها سلسلة طويلة من العمران بها جامعات حديثة لا تقل عن صروح العلم فى الغرب والشرق ومدارس يابانية وفروع لجامعات عالمية ومعها جامعات أهلية وخاصة وحكومية، ليفتح باب التنافس والانفتاح على كل مصادر المعرفة من مختلف المدارس العلمية لتكون لدينا شبكة من الأوعية العلمية تقوى النبض المعرفى وتفتح فى المدارك وتحتضن المبدعين والباحثين والمخترعين وهم اللبنات الأهم لمستقبل مصر الحديثة.






كان بناء بلدنا على أسس من التنظيم والتقدم والحداثة يراود كثيرين، لكن أحدا لم يحتمل أو حتى يحاول تحويله إلى حقيقة لأن التكلفة عالية وليس لدينا ما يكفى من الموارد، وخفض الإنفاق على الخدمات ورفع الدعم كان يعنى أن يفقد الرئيس جزءا كبيرا من شعبيته والدعم الذى رافقه منذ أن أنقذ مصر من براثن جماعة الإخوان، وكان هذا الالتفاف الشعبى كله لديه وأراد أن يحوله إلى طاقة دفع وبناء، لأن الشعب الذى التف حوله وراهن عليه لن يتخلى عنه وسيتحمل الأعباء والتكلفة الباهظة لكل هذا المشروع العمرانى والحضارى وبدأت الملحمة بقناة السويس الجديدة والعاصمة الإدارية الجديدة وغيرها من عشرات المدن وهو يدرك أن العائد من مثل هذه المشروعات لا يأتى سريعا بل يتأخر سنوات وعقودا ولن يحصد الشعب ثمارها إلا بعد وقت طويل، يمتد إلى جيل وربما أكثر ولهذا لن يجنى شخص الرئيس هذا العائد، لكنه صمم على المضى فى المشروع الحضارى الباهظ التكلفة، لأن الجيل الحالى لن يحتمل أن يدفع الثمن الباهظ عن كل الأخطاء السابقة وأن يضع أساس مشروع المستقبل، هذا ما فهمته من كلمات الرئيس التى قال فيها «الشعب قبل التحدى والتضحية والحكومة تبذل ما فى وسعها والقيادة مستعدة لاستنزاف رصيدها لدى الشعب من أجل العبور والنجاح»، ويلخص الرئيس إستراتيجيته بقوله «نحن نعمل بالتوازى على إصلاح القديم إن أمكن وإنشاء الجديد حتى يتم التغيير».



فى كلمة الرئيس المطولة فى ختام المؤتمر الاقتصادى لمحت بين ثنايا كلماته أنه أحس بأن قطاعا كبيرا من الشعب ظهر عليه التعب، بعد أن تداخلت الأزمة العالمية التى نشأت مع تفشى جائحة كورونا وبعدها الحرب الأوكرانية بينما يواصل البناء والتضحية من أجل المستقبل ويسدد فواتير أخطاء تعود لأكثر من خمسين عاما، وتحدث عن معاناة الفئات الأكثر احتياجا والتى يصعب عليها أن تتحمل كل هذه التضحيات، فى وقت تعانى فيه بلدان غنية مثل بريطانيا وإيطاليا وغيرهما من البلدان، وحتى الولايات المتحدة، وتكاد الأزمة تفتك بالعالم كله، الذى يعانى من موجات الغلاء فكيف يكون حال بلد تعرض لإهمال طويل تلتها فترة من الاضطرابات والعنف والإرهاب والفتن؟



إن الدعم الذى يمكن أن تقدمه الحكومة من أجل تخفيف المعاناة على أصحاب الدخول المحدودة سواء برفع الحد الأدنى للأجور، وزيادة المعاشات، وتوسيع مظلة الرعاية الاجتماعية، خطوة ضرورية فى هذا التوقيت الصعب، لكن علينا قبل ذلك أن نزيد من تضامننا الاجتماعى، وأن نتوحد أكثر من أى وقت مضى، وأن نعمل بقدر الإمكان على زيادة إنتاجنا والتقليل من الهدر، وأن نستوعب الظروف التاريخية التى نمر بها، نحن وباقى العالم، وأن ندرك حجم التحديات ونكون كما كنا دائما على مستوى تلك التحديات، ونثبت أن الشعب المصرى لديه من الطاقات والقدرات ما يكفى لتلك المواجهة الصعبة، وأن نكون على ثقة من أننا سنخرج منها أفضل مما كنا، لنواصل بناء مشروعنا الحضارى، وأن مصر القوية والحديثة سوف تستكمل ملحمة العمل والعلم والأمل.