-
د. الغريب: تكثيف التوعية لمواجهة الشائعات والتطرف
-
د. حفظى: مطلوب جبهة علمية لتصحيح المفاهيم الخاطئة
«بميلاد النبى الخاتم صلى الله عليه وسلم، فخر الكائنات، أحيا الله الحرية من مرقدها، وأطلق العقول من أسرها، وجعل الحرية هى المنطلق للخلق إلى الحق، فلا عبودية إلا لله، ولا خضوع إلا لعدله».. بهذه الكلمات يصف علماء الدين ذكرى المولد النبوى الشريف -التى تحل غدا- مؤكدين أن مولد النبى محمد، صلى الله عليه وسلم، هو ميلاد للحرية، فى أسمى معانيها، إذ لم يعرف العالم، قبل مبعثه صلى الله عليه وسلم، معنى لها، لا فى التفكير، ولا العقيدة، ولا أى مجال آخر.
يقول الدكتور عبد الغنى الغريب، رئيس قسم العقيدة والفلسفة، بجامعة الأزهر، إن ذكرى ميلاد النبى، صلى الله عليه وسلم، تناسب ولادة الحرية، وعودة الخلق إلى الحق، وتحررهم من ربقة العبودية إلى كنف الحرية، إذ قبل ميلاده، كان الأفراد والجماعات والدول يقتل بعضهم بعضا، ويعانون الاستعباد والذل، حتى كان مولد «المحرر الأعظم»، فتهاوت أركان الظلم، وتساوى الإنسان مع أخيه فى الحقوق، فلا فرق لعربى على عجمى، ولا لأبيض على أسود، إلا بالتقوى والعمل الصالح.
ويضيف: إن الحرية التى جاء بها النبى، صلى الله عليه وسلم، تعالج العديد من مشكلات وقضايا العصر، كما كان مولده رقيا بأخلاقيات الأمة وسلوكها، إذ أوجد مساحة لدعاة الإصلاح والفكر البناء للقضاء على الأمراض الأخلاقية، التى يحتاج علاجها إلى فكر مستنير.
شائعات.. وتطرف
الدكتور عبد الغنى يدعو إلى استثمار حرية الفكر التى أرسى دعائمها النبى الكريم.. فى مواجهة الشائعات والفكر المتطرف، من خلال حملات مكثفة للتوعية ونشر الفكر المستقيم، إذ آفة الفكر المتطرف الحقيقية، كما يقول، أنه يرفض غيره، ويقصى الآخر، وهذا مما يتنافى بالكلية مع الإسلام وتعاليم رسوله، صلى الله عليه وسلم، الذى أرسى دعائم المجتمع المسلم على أسس من الحرية بجميع أشكالها سواء كانت حرية الفكر، أو الرأى، أو الاعتقاد، وهى لا تعنى أبدا إطلاق الشائعات واختلاق الأكاذيب لهدم المجتمع.
ويرى أن إيقاف الفكر المتطرف يحتاج إلى أن ننشر الهدى الذى جاء به نبينا صلى الله عليه وسلم، وأن نعرف الخلق جميعا بالحرية التى جاء بها، وأن نغرس ذلك فى نفوس الناشئة، وأن نتخذ كل الوسائل والأساليب الحديثة مثل وسائل التواصل الاجتماعى «السوشيال ميديا»، لتوصيل الرسالة كاملة للعالم.
ويؤكد أنه فى سبيل تحقيق تلك الغاية، لا بد من أن تتضافر الجهود، وأن يكون لكل فرد دور من خلال موقع عمله، فالمدرسة والمؤسسات التعليمية عليها دور كبير فى تعليم الناشئة مبادئ الحرية التى جاء بها الرسول الكريم، وعلى المؤسسات الدينية -وفى مقدمتها الأزهر- تكثيف نشر الوعى بقيمة الحرية من خلال أبنائها من العلماء والوعاظ والواعظات، فى جميع الوسائل المتاحة، سواء كانت مقروءة كالكتب، والنشرات، أو مسموعة كالخطب والتسجيلات الصوتية والبرامج الإذاعية، أو مرئية كالبرامج واللقاءات التليفزيونية، وأيضا الجامعات، وخصوصا الكليات والأقسام المعنية بالفكر، إذ عليها أن تعالج الفكر المتطرف بمزيد من الدراسات والبحوث الجادة، وعقد الندوات والمؤتمرات، واستثمار الإعلام و أدواته لنشر الفكر المستقيم، ومجابهة الأفكار المتطرفة، وكذلك الاستعانة فى ذلك بالعلماء والمتخصصين.
اقتراح عملى
والأمر هكذا، يقترح الدكتور محروس رمضان حفظى، مدرس التفسير وعلوم القرآن، بكلية أصول الدين والدعوة بأسيوط -للاستفادة من منهج النبى الكريم فى مجال حرية التفكير- تكوين جبهة علمية متخصصة تتبع الجهات الدينية الرسمية، لتصحيح المفاهيم الخاطئة.
ويذهب إلى أن هذا العمل يمكن نشره فى مجلة علمية معتبرة حتى يسهل الاطلاع عليه، أو من خلال قناة رسمية يشرف عليها كبار العلماء والباحثين، إلى جانب العمل على ترسيخ مفاهيم الحرية وضوابطها، مع محاولة الربط بين القديم والحديث، فنكون قد جمعنا بين الأصالة والمعاصرة، وبذلك نفتح للأجيال المقبلة آفاقاً جديدة، ونمكنهم من إعادة صوغ مناهج تفكيرهم وفق التحولات العالمية المعاصرة.
ويشير إلى أن «ثويبة» كانت جارية لأبى لهبٍ، عم النبى صلى الله عليه وسلم، فأعتقَهَا حين بشرته بمولده صلى الله عليه وسلم، كأن الله يعلن للبشرية أن مولد حبيبه إعلان للحرية، وإعلاء لقيم الإنسانية، بعد تدنى الأخلاق، وانتشار التمايز الطبقى، موضحا أن الرسالة النبوية نقلت الإنسان من أفق التفكير الضيق إلى آفاق رحبة من العمل المتواصِل الذى لا نِهاية له، إذ أطلقت للعقل عنان الحرية للتأمل فى الكِتاب المنظور المتمثل فى الكون.
فعَنِ ابْنِ عُمَرَ، رضى الله عنه، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَفَكَّرُوا فِى آلَاءِ اللَّهِ، وَلَا تَفَكَّرُوا فِى اللَّهِ»، وقد كان عباس العقاد على صواب عندما أطلق على أحد مؤلفاته عنوان (التفكير فريضة إسلامية)، وقد حرص النبى، صلى الله عليه وسلم، على ممارسة التفكير قبل البعثة، فكانت جل عباداته التفكير فى الكون، وما اشتمل عليه من دلائل باهرة.
ويوضح د. محروس أن الحرية ليست أن نطلق سهام التشكيك والنقد، فى ميادين الحياة دون دراية، فينتج عنه بلبلة الأفكار، وزعزعة الاستقرار داخل الصف المجتمعى، مما يؤدى إلى زيادة معدل الجريمة بكل أنواعها، وما ذلك إلا لأن الحرية بهذا المفهوم تذوب فيها المسئوليات، وتتداخل فيها الأهداف والغايات.
ويعقب: «ما أحوجنا إلى الحرية المحاطة بسياج الاحترام والتوقير، بحيث يلزم كل متخصص تخصصه كى نستعيد مسيرة أسلافنا العِظام فى العطاء الفكرى المتجدد».
فهم خاطئ
من جانبه، يوضح د. حسام محمد تونى، مدرس الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر، أن الحرية تعنى التصرف فى الأمور المشروعة من غير اعتداء على الآخرين، وعلى حقوقهم، فيكون ذلك مقيداَ بالشرع وأوامره ونواهيه التى تهدف إلى جلب الخير والابتعاد عن الشر. ويتابع: لذا كان مولده صلى الله عليه وسلم، تحريرا للإنسان من عبودية الإنسان، وقيود الرق، علما بأن البعض فهم الحرية فهماً خاطئاً، فظن أنها مطلقة، وأنها تعنى «التحرر من قيود الأديان» على حد زعمهم، وأن الإنسان حر فى فعل ما يريد أو تسول له نفسه.. سواء كان خيرا أو شرا!