اليوم -28 سبتمبر- هو من الأيام المحفورة بقوة في ذاكرتى، ...إنه اليوم الذى رحل فيه فجأة الرئيس جمال عبد الناصر في عام 1970، في الثانية والخمسين من عمره!. كانت سنى في ذلك الوقت 23 عاما ولذلك فإن أحداثه لاتزال حاضرة في ذهنى تماما، عندما تدفقت الغالبية العظمى من المصريين البسطاء إلى شوارع كل المدن والقرى تبكى عبد الناصر! ما الذى يمكننى قوله اليوم عن عبد الناصر في هذه السطور القليلة؟ أقول أولا إنه كان نموذجا واضحا لموهبة القيادة، أو القيادة الكاريزمية، القادر على فرض شخصيته والتلاعب بخصومه. وأقول ثانيا إنه بالرغم من أنه كان نتاجا لثورة 1919 فإنه – مثل فراعنة مصر- حرص على إقصاء رموزهم، وتهميش حزبهم. وأقول ثالثا إن ما ساعد نجاح حركة الجيش بقيادته (والتي صدرلها مؤقتا اللواء محمد نجيب) كان الدعم غير المباشر من الأمريكان الذين أرادوا أن يستبدلوا بالنظام الملكى الضعيف نظاما عسكريا قادرا على مواجهة النفوذ الشيوعى الذى أخذوا يتخوفون منه مع بدء المواجهة بين المعسكرين الشيوعى و الرأسمالى. و أقول رابعا إن شجاعته و تحديه في مواجهة القوى الغربية بمناسبة تمويل بناء السد العالى ثم تأميمه القناة رفعت أسهمه إلى عنان السماء، وهو الأمر الذى ترسخ مع فشل العدوان الثلاثى في 1956. وأقول خامسا إن شعبيته الجارفة في الوطن العربى دفعته لمغامرة الوحدة المصرية السورية والتي كان فشلها أول هزيمة سياسية له. وأقول سادسا – بناء على ذلك- إن اعظم أخطاء عبد الناصر في تقديرى كانت إهماله القومية المصرية الحقيقية، والثابته تاريخيا وعلميا، لمصلحة فكرة حماسية لا وجود لها اسمها القومية العربية. هناك- كما قلت دائما- عروبة أو رابطة عربية فقط. وأقول سابعا إن من أعظم سمات عبد الناصر تفكيره العلمانى المعتدل، الذى يفصل السياسة عن الدين، ويحترم بلا حدود حقوق المرأة. وأقول ثامنا إن عبد الناصر بهذه الصفات كلها برز كأحد الزعماء الكبار في العالم، بتزعمه مع قادة معاصرين له مثل نهرو و تيتو وشو إن لاى حركة الحياد الإيجابى وعدم الانحياز. ماذا كانت ابرز أخطائه؟ إنه تصور أن القيادة الشعبية، والأجهزة الأمنية، تغنى عن المؤسسات الديمقراطية، وكان ذلك خطأ فادحا، دفعت مصر ثمنه بعد ذلك كثيرا. رحم الله جمال عبد الناصر.