عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
«صكوك الوطنية» من حق من؟
23 سبتمبر 2022
يكتبها ــ فاروق جويدة


ما أكثر القضايا التي أثارت جدلا في حياتنا وأخذت من الوقت والجهد والعمر أكثر مما تستحق.. حين اجتاحت الانقسامات صفوفنا واختلفت الآراء والمواقف والمصالح وجدنا من ينصب نفسه سيفا مصلتاً علي رقاب الناس وأعطي نفسه الحق في أن يمنح النياشين والأوسمة.. وقد اختلف نوع الهبات والعطايا فكانت هناك صكوك باسم الدين وأخرى باسم السياسة وكانت هناك صكوك باسم الوطنية وهذا إنسان وطني وآخر تنزع منه وطنيته كأنها وشاح يرتديه..



ـــ وفي فترة ما نصب البعض من أنفسهم زعماء للوطنية وحرموا منها من أرادوا وكانت هناك قوائم تضم صكوك الوطنية وأخري تضم المحرومين منها ويومها انقسم الشارع المصري علي نفسه بين من يحملون صك الوطنية وآخرين حرموا منه.. وانتقلت لعنة الصكوك من الوطنية إلي السياسة وبرزت صكوك السياسة في أهل الثقة وأهل الخبرة وارتفعت أسهم الثقة وأصبحت مقياس التميز والتفرد والصوت العالي..وكان انقسام النخبة المصرية من اخطر الظواهر السلبية التي أصابت النخبة في دورها وتأثيرها في أجيال لحقت ولم تتوقف الانقسامات عند النخبة الثقافية ولكنها انتقلت إلي نخب أخري في جميع المجالات..وانقسم المجتمع علي نفسه وتحول إلي جماعات وفئات من أصحاب المصالح..



ـــ ولم تتوقف قضية الصكوك علي الوطنية والسياسة ولكنها اقتحمت أقدس المقدسات وهي الدين ولم يعد الدين خطابا سماويا هبط من السماء ولكنه تحول إلي فصائل تعددت أدوارها بين صكوك الوطنية والسياسة..وأصبحت للدين صكوك ما بين استقطاب السلطة والتيارات الدينية باختلاف مدارسها وبرامجها..



ـــ كان من الضروري أن يصبح توزيع الصكوك عملا مشروعا، بل إنه أصبح سمة من أهم سمات المجتمع في توزيع الأدوار والمواقع والمكانة الاجتماعية التى تحولت إلى مراكز قوى وشلل وجماعات.. في مرحلة مبكرة خرجت علينا تصنيفات وطنية من حملة الصكوك وسرعان ما تحولت إلي تجمعات سياسية شكلتها السلطة تحت مسميات كثيرة فكان ظهور الاتحاد القومي ثم الاتحاد الاشتراكي ثم حزب مصر والحزب الوطني..ثم كان مشروع صكوك الوطنية ما بين منظمة الشباب والتنظيم الطليعي وكانت مدارس لصكوك الوطنية والثقة ما بين الدين والسياسة..



ـــ وخرجت مصر من كل هذه التجارب دون أن تحقق هدفا، فلم تنجح التجارب الحزبية وفشلت التجمعات الدينية وكان الاعتماد علي أهل الثقة من أخطر السلبيات في حياة المصريين..كان الاعتماد علي أهل الثقة من أهم أسباب سقوط مشروعات وطنية كثيرة ماتت في مهدها وحرمت مصر من مواهب وقدرات كثيرة..خاصة أن مبدأ التصفيات كان علي حساب القدرات والمواهب ولعلنا مازلنا نعاني انقسامات دينية شوهت مظاهر كثيرة في الإيمان الحقيقي وفتحت مجالا واسعا بين صراعات الدين والسياسة..



ـــ أما صكوك الوطنية فقد تحولت إلي عبء كبير علي أصحاب القرار لأنها قسمت المجتمع إلى فئات ما بين النفوذ والمصالح والأدوار..والحل عندي انه لا يوجد شيء يسمي صكوك الوطنية، لأننا شركاء في وطن ننتمي إليه جميعا وليس من حق احد أن يدعي انه أكثر وطنية من غيره..كما أن الأديان حق للبشر جميعا وليس من حق احد أن يدعي انه أكثر إيمانا..أما السياسة فلها صكوك خاصة وفيها أبواب كثيرة للصراعات والمنافسات والمصالح وهي تشبه سباق الخيول لا تضمن الفوز فيه أو الخسارة..



ـــ وهنا أريد أن أؤكد بعض الثوابت:



> أولا : إن الأوطان ينبغي ألا تخضع للتوريث أو التقسيم أو الصكوك بيعا وشراء، لأن الوطن لنا جميعا وكلنا شركاء فيه أحلاما ومستقبلا ومصيرا وليس من حق طرف أن يفرض وصايته بدعوي الوطنية لأن الوطنية، ليست صكوكا للبعض يمنحها كما يشاء..



> ثانيا : إن الله خلقنا لنعبده علي الإيمان والتقوى وإن خير الناس أفضلهم بعمله وليس بشعار يرفعه أو سلطة تحميه أو سلطان يلوذ به..



> ثالثاً : إن الشعوب لابد أن تتعلم من دروس ماضيها في تجارب سبقت وأفكار تعثرت وأحلام أجهضت والذي لم يتعلم من ماضيه يدمن الأخطاء..



> رابعا : السياسة لا تعني الوطنية وليس كل سياسي وطني بالضرورة وأسوأ الأشياء أن نخلط الوطنية بالسياسة، لأن الوطنية دروس في الحب والولاء والسياسة في معظم الأحيان لعبة في كل الأسواق..



> خامسا : ليس من الضروري أن تجتمع ثلاثية الدين مع الوطنية مع السياسة، لأن الدين بدون السياسة انقي ولأن السياسة بدون الوطنية مغامرة وفي النهاية يجب أن يكون الدين طريقا للهداية وان تكون الوطنية طريقا للعطاء وتبقي السياسة ساحة لاختلاف الرؤى والأفكار والمصالح..



> سادسا : وسط هذا كله ابحث عن العدل أينما وجد وإذا اختلت الموازين حولك ابحث عن الحكمة وإن ضاقت بك كل السبل ليس لك غير وطن واحد ومن هنا فإن مبدأ الوصاية يسلب الإنسان حقه فى أن يختار، لأن للدين ثوابته وللسياسة برامجها وللأوطان قدسيتها وقد تتعارض الأهداف بين هذه الثلاثية الدين والسياسة والوطنية، ولهذا يجب ألا تخضع للأهواء والمصالح وتداخل الأدوار..



ـــ ليس من حق مواطن أن يمنح صكوكا للوطنية أو أن يدعي أنه أكثر وطنية من مواطن آخر، لأن الفلاح الذي شق الأرض ليس أقل وطنية من أستاذ الجامعة الذي يفجر منابع الفكر فى عقول الناس..ومنذ وزعنا صكوك الوطنية ألحقنا بها صكوك الثقة وأعطينا إجازة للقدرات والمواهب وتركنا الساحة لمواكب التحايل واستبدال الأشياء حتى لو كان البديل هو الأسوأ ومنذ انتشرت صكوك الوصاية باسم الدين أصبحنا طوائف وجماعات وأصبح كل إنسان يبحث عن صك يحميه باسم الدين أحيانا وباسم السياسة والوطنية فى معظم الأحيان..وحين سادت لغة الصكوك وقفنا ننتظر ونتساءل: إلي متي تحكمنا صكوك العصر..



 



..ويبقى الشعر



 



نسيتُ ملامحَ وجهى القديمْ..



ومازلتُ اسألُ : هل من دليلْ ؟!!



أحاولُ أن استعيدَ الزمان



وأذكر وجهى...



وسُمرة َجلدى...



شُحوبى القليل...



ظلالُ الدوائرِ ِفوق العيونْ



وفى الرأسٍ يعبثُ بعضُ الجنونْ



نسيتُ تقاطيعَ هذا الزمانْ



نسيتُ ملامحَ وجهى القديمْ..



<<<



عيونى تجمَّدَ فيها البريقْ..



دَمى كان بحراً..



تعثر كالحلمِ بين العروقْ..



فأصبح بئراً..



دمى صار بئراً



وأيامُ عمرى حطامٌ غريقْ..



فمى صار صمتًا.. كلامى مُعادْ



وأصبح صوتى بقايا رمادْ



فما عدتُ انطقُ شيئاً جديداً



كتذكار صوت أتى من بعيدْ



وليس به اىُّ معنى جديدْ



فما عدتُ أسمع غيرَ الحكايا



وأشباحُ خوف برأسى تدورْ



وتصرخُ فى الناسِ



هل من دليلْ ؟؟



<<<



نسيتُ ملامح وجهى القديم



لأنَّ الزمانَ طيورٌ جوارحْ



تموتُ العصافيرُ بين الجوانحْ



زمانٌ يعيش بزيف ِالكلامِ



وزيف ِالنقاءِ ... وزيف المدائحْ



حطام ُالوجوه على كل شئٍٍ



وبين القلوب تدورُ المذابحْ



تعلمتُ فى الزيف ألا أبالى



تعلمتُ فى الخوفِ ألا اسامحْ



ومأساةُ عمرى.. وجه قديمْ



نسيتُ ملامحَه من سنينْ



<<<



أطوفُ مع الليلِ وسط الشوارعْ



وأحملُ وحدى همومَ الحياهْ



أخاف فأجرى.. وأجرى أخافُ



وألمحُ وجهى.. كأنى أراهْ



وأصرخ ُفى الناسِ هل من دليلْ؟!!



نسيتُ ملامحَ وجهى القديمْ



<<<



وقالوا..



وقالوا رأيناكَ يوماً هنا



قصيدةَ عشقٍ ٍهوتْ.. لم تَتمْ



رأيناكَ حلماً بكهفٍ صغير



وحولكَ تجرى .. بحارُ الالمْ



وقالوا رأيناكَ خلف َالزمانِِ



دموعَ اغترابٍ .. وذكرى ندمْ



وقالوا رأيناكَ بين الضحايا



رُفاتَ نبىًّ مضى .. وابتسمْ



وقالوا سمعناكَ بعد الحياةِ



تُبشَّر فى الناسِ رغم العدَمْ



وقالوا..وقالوا .. سمعتُ الكثيرْ



فأين الحقيقةُ فيما يقالْ ؟



ويبقى السؤالْ..



نسيتُ ملامح وجهى القديمْ



ومازلتُ أسألُ ..هل من دليلْ ؟!!



<<<



مضيتُ أُسائل نفسى كثيراً



تُرى أين وجهى .. ؟!!



وأحضرتُ لوناً وفرشاةً رسم ٍ..



ولحنـًـا قديمْ



وعدتُ أُدندنُ مثل الصغارْ



تذكرتُ خَطـًا



تذكرتُ عينـًا



تذكرتُ أنفـًا



تذكرتُ فيه البريقَ الحزينْ



وظلٌّ يدارى شحوبَ الجبينْ



تجاعيدَ تزحفُ خلفَ السنينْ



تذكرتُ وجهىَ



كلَّ الملامح.. كلًّ الخطوطْ



رسمتْ انحناءاتِ وجهى



شُعيرات ِرأسى على كل بابْ



رسمتُ الملامحَ فوق المآذِنِ..



فوق المفارقِ..بين الترابْ



ولاحت عيونىَ وسط السحابْ



واصبح وجهى على كلَّ شئ



رُسوماً..رُسومْ



ومازلتُ أرسمُ .. أرسمُ .. أرسمْ



ولكنَّ وجهى َما عاد وجهى..



وضاعت ملامحُ وجهى القديمْ.



قصيدة «ضاعت ملامحَ وجهى القديمْ» سنة 1983