عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
الخطأ الطبى بين الداء والدواء
13 سبتمبر 2022
تحقيق ــ بسمة خليل


ضرورة تطبيق قانون المسئولية الطبية للتفرقة بين المضاعفات والأخطاء



 



العمل الطبى هو عمل بشرى بالتالى به نسبة من الأخطاء وارد حدوثها بالعالم كله وتختلف طبقا لنوع المرض والإجراء الطبى المتبع، فالطبيب ملتزم بتقديم الرعاية الصحية طبقا للأصول العلمية ولكنه غير ملزم بتحقيق نتيجة، لأن النتائج تعتمد على عدة عوامل منها نوع المرض وقابليته للعلاج ووجود مضاعفات من عدمه، ووسائل التشخيص المتاحة ووصف العلاج الصحيح ومدى التزام المريض بالتعليمات، ورغم ذلك يتعرض الكثير من الأطباء للظلم بتهمة الإهمال تجاه المرضى، تطالعنا الصحف ووسائل الإعلام بحوادث إهمال بعض الأطباء تتسبب فى وفاة مرضى لا ذنب لهم إلا أنهم تأملوا بالشفاء على أيديهم، وهناك مضاعفات وارد حدوثها قد تتسبب بالوفاة لا يسأل عنها الطبيب.






قامت تحقيقات «الأهرام» بسؤال المتخصصين للتفرقة بين المضاعفات والإهمال ومعرفة على من يقع الاتهام فى حالة التقصير.



فى البداية نعرض نموذجا لحالة مرضية من ضحايا الإهمال، والواقعة كما يحكيها محمد عامر والد الضحية الطفلة «صبا» البالغة من العمر عاما و7 أشهر، فبعد إتمام عامها الأول، هاجمها سرطان النخاع الشوكى، ويقول الأب: مضينا برحلة علاجها إلى أن حدد لها الطبيب إجراء عملية لإزالة ورم من الغدة الدرقية بشهر إبريل الماضى وثانى يوم العملية فوجئت برفض خروج صبا من رعاية الجراحة، بسبب أنها أخذت جرعة بارا سيتمول عن طريق الخطأ، حيث أخذت 70 ملى بدلا من 7 ملى، مما سبب لها ارتفاعا فى إنزيمات الكبد وبدأت التشنجات تظهر عليها، كما أنه بعد 5 أيام، أصيبت ببكتريا بالدم نتيجة عدم تغيير «سنتر بالرقبة» تحصل من خلاله على الأدوية، مما أدى لدخول صبا للعمليات مرة أخرى لإزالته، وكانت المفاجأة أنه لم يزل باقيا وبسؤالنا عن السبب أكدوا عدم وجود أوردة لوضع «الكانولة» وطلب الأطباء إجراء تحليل لها، وتأكدت أنه لقياس نسبة البارا سيتمول بالدم وبعد ارتفاع نسبة البوتاسيوم داخل جسمها، قاموا بإعطائها فوار بجرعه 100 ملى لنتفاجأ أن الفوار لا يأخذه أقل من عامين!. وتزامن معه ارتفاع حرارتها وتشنجات ولم يهتم أحد، بل قرروا قبل عيد الفطر بيوم، خروجها بتلك الحالة «بكتريا بالدم» بنسبة 269 رغم أن الطبيعى أن تكون 50، ورغم تناولها الدواء إلا أن الحالة تدهورت وذهبت بها لأحد المستشفيات وأكد الطبيب إنها تعانى من التهاب رئوى من الدرجة الثالثة ويجب وضعها برعاية أطفال ولم تتوافر بالمستشفى، فذهبت بها للمعهد مرة أخرى وانتظرت الطبيبة التى تعلم بالحالة بالاستقبال ولم تأت، إلى أن توسلت لها «بنتى بتموت» وردت قائلة «ده وقت تسليم شفتات» وبعد إلحاح منى فحصتها وقامت بوضع أكسجين لها وعلقت محلول دم بالطوارئ دون أن تأمر بإدخالها غرفة الرعاية، مؤكدة أن البنت ليس بها شيء، لكن بدأت تنتاب صبا حالة تشنج مع نقص الأكسجين حتى وصل إلى 30%، بعدها فارقت ابنتى الحياة ولم أتنازل عن حقها فقمت بتحرير محضر رسمى بقسم الشرطة اتهمت فيه المستشفى وثلاثة أطباء بالإهمال والتسبب فى وفاة نجلتى.



لا تظلموا الطبيب



«لا يوجد طبيب يتعمد إيذاء المريض لأنه أمانة لديه وضميره لا يقبل ذلك فيجب عدم ظلم الطبيب، فهو يعانى أشد المعاناة ويضحى بالكثير كى يعالج المريض» بحسب كلام الدكتور حسين خالد وزير التعليم العالى الأسبق وعميد المعهد القومى للأورام الأسبق، فسنوات الدراسة الطويلة والصعبة التى يدرسها الطبيب تزيد من إحساسه بالمسئولية والرغبة فى خدمة المرضى وأى عمل به نسبة مخاطرة لذلك عند حدوث أى خطأ طبى يجب أن نبتعد تماما عن سوء النية، فالطبيب يبذل أقصى ما بجهده لذلك نجد أن نسبة الأخطاء الطبية بمصر ضعيفة جدا مقارنة بدول كثيرة ولكن ما يحدث ما هو إلا تضخيم للأمور لإثارة الرأى العام بصورة تجعل الموضوع أكبر بكثير، وعند حدوث أى إهمال أثناء علاج مريض هناك آليات للثواب والعقاب.



ونحن بحاجة لتطبيق قانون المسئولية الطبية الذى يحدد الحقوق وواجبات الكوادر الصحية فهو يفيد الأطباء والمرضى ويحمى حقوقهم ويضع قواعد لحماية الأطباء وقواعد جزاءات فى حالة حدوث أخطاء من الطبيب سواء عدم كفاءة أو إهمال.



ويضيف: هناك أكثر من خطوة عندما يبدأ الشك فى وجود إهمال طبى، أولها يتم تحويل الموضوع للنقابة العامة للعرض على لجنة آداب المهنة وترسل بدورها تقريرا يفيد بحدوث خطأ أم مضاعفات عادية، فيتم تشكيل لجنة من أساتذة الجامعة للتحقيق مع الطبيب وندرس هل اتبع الإجراءات والبروتوكولات الصحيحة المدونة بالمراجع العلمية أم لا، فإذا ثبت أن المضاعفات واردة والطبيب شرحها شرحاً تفصيلياً للمريض قبل إجراء العملية وحصل منه على موافقة يتم حفظ التحقيق، لكن إذا ثبت حدوث مشكلة تخالف اللوائح والقوانين والقواعد العلمية، وأيدتها النقابة يتم تحويله للنيابة العامة، وإذا تأكدت من البداية أن الإهمال من الطبيب يتم تحويله للنيابة بدون تحويله للنقابة.



غير متعمد



«من المستحيل أن يتعمد الطبيب الإهمال هذا ما أكده الدكتور صلاح الغزالى حرب أستاذ أمراض الباطنة بقصر العينى، ويضيف أن الطبيب يدرس سبع سنوات وهى دراسة طويلة ومرهقة ويستكمل بعدها عامين امتياز، ثم يمارس تحت إشراف ثم يتخصص ثم يستكمل الدراسات العليا، وهى كلها عملية تسبب ضغطا على الطبيب، ثم يفاجأ بحصوله على ثلاثة آلاف جنيه راتبا، برغم أنه يتحمل مصاريف تتعدى الـ100 ألف جنيه لاستكمال دراسته العليا، فضلا عن أزمة أخرى تضاف إلى أزمات الطبيب المصرى.



البلاغات



كيف تتلقى إدارة العلاج الحر البلاغات المتعلقة بالأخطاء الطبية؟ سؤال يجيب عليه الدكتور ممدوح الهادى مدير الإدارة المركزية للعلاج الحر والتراخيص بوزارة الصحة السابق: أولا من خلال رؤيتها بالإعلام، وثانيا من مكتب شكاوى مجلس الوزراء أو من الوزارة ويتم تحويلها إلينا، وثالثا شكاوى مقدمة رسميا من جهات مختلفة نبدأ بالتحقيق فيها، ورابعا من خلال مرورنا الطبيعى قد نجد مشاكل تحتاج لحلول، وبعد تلقى البلاغ يتم النزول للمنشأة للاطلاع على أوراقها للتأكد من ترخيصها وإذا ثبت وجود خطأ بترخيصها تتحول من جنحة لجناية، ولكن إذا ثبتت سلامة ترخيصها وكافة الأوراق والمستندات نبدأ بالبحث عن أوراق الأطباء الذين قاموا بإجراء تلك العمليات، فلا يدخل المستشفى إلا طبيب مصرح له بمزاولة المهنة ومعه شهادة التخصص وشهادة استشارى أو إخصائى من النقابة، هنا المستشفى لا يقع تحت طائلة القانون، ويعنى ذلك أن الخطأ نتيجة أداء الطبيب، وهنا نقسمه لحالتين إما مضاعفات واردة طبقا للقانون أو نتيجة خطأ فيتم تحويله للجنة إما من وزارة الصحة من أساتذة الجامعة أو تحويله لآداب المهنة لأنه قد يصدر قرار بإيقافه عن العمل، ولكن اذا تأكدت من وجود خطأ طبى جسيم وواضح أتقدم فورا للنيابة وأحوله للنائب العام ويبدأ يأخذ مساره.



ويضيف أن العلاج الحر أساس عمله محاولة تدعيم المنشآت الخاصة لتوفيق أوضاعها فلا يتم التعامل معهم بأنهم مخطئون فالعلاج الحر »ليس سيفا يقطع الرءوس» ولكن نساعدهم على تقديم الخدمة بطريقة صحيحة ونعاقب وفقا لدرجة الخطأ الموجود، فالخدمات المقدمة من القطاع الخاص تصل إلى 80 % لذلك ليس من المصلحة غلق منشأة تقدم لنا خدمة.



التقدير الفني



تتلخص مشكلة إهمال الأطباء وفقا للدكتور طارق كامل أستاذ الأنف والأذن والحنجرة بطب القاهرة ورئيس لجنة التحقيق سابقا بنقابة الأطباء، فى أن القانون أتاح للطب الشرعى إعطاء المحكمة التقدير الفنى وهو غير متخصص بفروع الطب المختلفة، لكنه متخصص بحكم الخبرة بجرح طعنى من سكينة أو طلقة نارية، ولديه استشاريون بمعظم التخصصات الطبية أحيانا يلجأ لهم وأحيانا لا وهنا محل الخطورة، فيكتب تقريراً عن حالة خاصة بمسالك بولية وجراحة مخ وأعصاب، وهنا تأتى المطالبة بضرورة وجود إلزام على مصلحة الطب الشرعى باعتبارها الخبير الفنى المعتمد لدى القضاء أن تلجأ بكل تخصص إلى لجنة استشارية من ثلاثة أساتذة بهذا الفرع من التخصص، وهذا الإجراء إذا تم سيحمى الكثير من الأطباء من المشاكل وبنفس الوقت سيعاقب من أهمل أو أخطأ.



ويطالب بتحديد المسئولية على كل الفريق الطبى لأنه للأسف الشديد غير واضح بمعظم المستشفيات فأحيانا يكون الخطأ من التمريض ويتحمله الطبيب ويسأل عنه ويبذل مجهودا لإثباته، لذلك أطالب بكتابة اختصاصات الفريق الطبى بالقانون الجديد المزمع صدوره، فطبيب التخدير له اختصاص وكذلك الجراح والتمريض وهكذا.



ويشير إلى نقطة أخرى يجب التعرض لها بأى قانون وهى دور الطبيب تحت التدريب ودور الإخصائى، فلو الطبيب المقيم أنف وأذن يعمل بمستشفى حكومى وقام بإجراء عملية لمريض فهل يجريها وحده؟ وبدون إشراف؟ كيف نحسم الجدل؟ فالطبيب المقيم من حقه العمل ولكن تحت إشراف الإخصائى ويثبت هذا بأوراق المستشفى كتابيا.



المسئولية الطبية



«توجد قوانين خاصة للمحاسبة بخصوص ممارسة مهنة الطب فى جميع دول العالم المختلفة» هى (قوانين المسئولية الطبية) وفقا للدكتور إيهاب الطاهر أمين عام نقابة الأطباء، وهذه القوانين وضعت لكى تعطى المريض حقه دون جور أو ظلم للطبيب، وبالتالى لا تتأثر المنظومة الصحية سلبا فهذه القوانين تفرق بين ثلاثة أشياء أولها المضاعفات الطبية وهذه لا يتم فيها توقيع أى عقوبات على الطبيب، وثانيها الأخطاء الطبية الوارد حدوثها طبقا لطبيعة للتدخل الطبى، فيتم تعويض المريض تعويضا مناسبا طبقا للحالة وتتحمل التعويض شركة التأمين (ويلتزم جميع الأطباء بهذا التأمين) وثالثها الإهمال الطبى الجسيم مثل العمل دون ترخيص أو تجربة طريقة جديدة للعلاج دون موافقة المريض وغيرها من الأمور المحددة.. وهذه مكانها المحاسبة بموجب قانون العقوبات، وقد يتم حبسه.. وهذا قد يؤدى لعزوف بعض الأطباء عن علاج الحالات المعقدة لأن نسبة الفشل فيها مرتفعة وذلك لتجنب السجن، وهذا بدوره يؤثر سلبا على المريض الذى سوف تسوء حالته وقد يموت قبل أن يجد من يساعده بالعلاج.



مضاعفات وأخطاء



«نطالب منذ سنوات بتطبيق قانون المسئولية الطبية حتى نستطيع التفرقة بين المضاعفات الوارد حدوثها والأخطاء الطبية» على حد قول الدكتور إبراهيم الزيات عضو مجلس نقابة الأطباء: «الحقيقة أن القانون موجود منذ 8 سنوات بمجلس النواب ويتضمن عدة بنود أهمها عدم جواز الحبس الاحتياطى فى حالات الشكوى من الإهمال الطبى، وثانيا عرض تلك الشكاوى على لجنة مكونة من ثلاثة أساتذة يصدرون تقريراً للتفرقة بين الإهمال الطبى والمضاعفات الوارد حدوثها، ويمكن تشكيل لجنة استشارية أعلى من 5 استشاريين فى حالات قيام أحد بالتشكيك بكلام اللجنة السابقة، وثالثا يتضمن تأمينا طبيا على الأطباء حتى إذا حدث إهمال يتحمل مصاريف علاج المضاعفات التى حدثت».