ماذا لو قررت كوبا تشكيل تحالف استراتيجى مع روسيا فى يومنا هذا؟ ماذا لو منحت كندا معاملة تفضيلية لروسيا مماثلة لتلك التى تقدمها للولايات المتحدة؟ ماذا لو عززت المكسيك العلاقات الأمنية مع روسيا من خلال التدريبات العسكرية وشراء الأسلحة؟ ماذا لو أبرمت جرينلاند أو أيسلندا اتفاقيات تحالف مع روسيا؟ مع العلم بأن تلك البلاد تعتبر دولًا ذات سيادة ويقررون مسارهم المستقبلى وسياستهم الخارجية بأنفسهم.
على الرغم من أن روسيا قد تتصرف بحذر فى هذه السيناريوهات غير المحتمل حدوثها إلا أن العالم بأسره، سيكون على دراية بانتهاكها أمن الولايات المتحدة وبلاد غربية أخرى وسيزداد التوتر من خلال الاضطرابات الإعلامية وتصريحات المتحدثين الرسميين وسيكون رد الفعل سريعا ومدمرا وستختفى نظرية حرية الاختيار تماما.
لا يجب أخذ هذه الافتراضات على محمل الجد، فجميعها خيالية، أولاً لأن الولاءات بين دول الغرب متينة ودائمة. لن تلغى كندا أو المكسيك ولاءهما للولايات المتحدة أبدا وجرينلاند تُكرِّس نفسها للدنمارك وتستمتع أيسلندا بسلمية خاصة. أما بالنسبة لكوبا فقد تلقت درسا شديدا فى الستينيات بـ٦٠ عامًا من العقوبات التعسفية. والأهم أن روسيا ستتروى قبيل إقدامها على هذا المخطط لأنها ملمة بولاء الغرب للغرب.
ومع ذلك دعونا نتخيل أن هذا المخطط الوهمى ممكن حدوثه بالذات مع كوبا، الضجة سوف تصم الآذان، الوسائل الإعلامية الغربية ومتحدثو الدول الغربية بأجمعهم سوف يشككون فى حق روسيا وكوبا فى ترسيخ تعاونهما وولائهما لبعضهما البعض. لن يتم اعتباره أبدًا عملاً تعاونيًا بل سيُنظر إليه على أنه عدوان محض وإهانة كبرى للأسلوب الليبرالى الغربى وانتهاك للعالم الحر وسلامة الغرب. سوف يشعر القادة والدول الغربية على حد السواء بالرعب من تحرك روسيا. وعلى الفور ودون توقف لإجراء مفاوضات مدروسة أو حوار عقلانى ستسحق الولايات المتحدة هذا الولاء، لن تنتظر عقدا من الزمن لإقناع روسيا بأنها تسلك الطريق الخطأ، مهاجمة كوبا هو أمر مؤكد فى هذا الوقت.
فى الواقع حدثت هذه القصة بالفعل فى كوبا عام ١٩٦٢. آنذاك كانت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى فى مواجهة خطيرة عندما قام الاتحاد السوفيتى بإقامة صواريخ نووية سوفيتية على الأراضى الكوبية على بعد ٩٠ ميلاً فقط من شواطئ الولايات المتحدة. نظر الرئيس الأمريكى فى ذلك الوقت جون كيندى إلى هذا الإجراء على أنه تهديد للأمن القومى الأمريكى وكان على استعداد لاستخدام القوة العسكرية والأسلحة النووية لفض هذا الأمر. ومن ثم كان العالم على حافة حرب نووية، لأن صواريخ الاتحاد السوفيتى كانت, بكل إنصاف, تهديدًا للولايات المتحدة. ومع ذلك تم تجنب الأزمة عندما وافق الاتحاد السوفيتى على إزالة الصواريخ من كوبا مقابل عدم غزو الولايات المتحدة كوبا. والأهم من ذلك إزالة الصواريخ النووية الأمريكية من تركيا. فى ١٩٥٩ كانت الولايات المتحدة قد نشرت أسلحة نووية على الأراضى التركية، وهو ما يخل بأمن وحدود الاتحاد السوفيتى وعدوان عليه. يعدُّ انتهاك المناطق العازلة أو المناطق التى تعمل كدروع لحماية البلدان من الأعداء أمورًا بالغة الأهمية، يجب الالتزام بها واحترامها حتى لا نقع فى المعضلة التى تواجهها أوكرانيا والعالم اليوم.
الحرب على أوكرانيا تشبه السيناريوهات التى نشرناها للتو، ومع ذلك فإن العالم لا يرى الدوافع وراء هجوم روسيا على أوكرانيا.
فى عام ٢٠١٨ انضمت أوكرانيا إلى الولايات المتحدة وسبع دول أعضاء فى الناتو لتدريبات جوية واسعة النطاق فى غرب أوكرانيا. فى عام ٢٠١٩ باعت إدارة الرئيس ترامب أسلحة مضادة للدبابات لأوكرانيا فى أول بيع للأسلحة الفتاكة لأوكرانيا. وفى ٢٠٢2, فى قمة بروكسل أكد قادة الناتو موافقتهم على أن تصبح أوكرانيا عضوًا فى الناتو وحقها فى تقرير مستقبلها ومسار سياستها الخارجية. وقبيل الهجوم على أوكرانيا نشر الرئيس الأمريكى بايدن ثلاثة آلاف جندى أمريكى فى بولندا ورومانيا. والآن يتم تشجيع السويد وفنلندا للانضمام إلى الناتو وهما دولتان أخريان على الحدود الروسية.
والآن تتخذ الحرب منعطفًا سيئا حيث ستستمر دون نهاية واضحة فى الأفق. وللأسف مع الوقت لن يعى العالم بأمر أوكرانيا حتى ولو تداعيات الحرب أثرت على العالم بأسره. سوف يتحول الانتباه الدولى إلى كوارث وأزمات أخرى وسيبدأ العالم فى نسيان أوكرانيا. لا يوجد منتصر فى هذه الحرب رغم وجود خاسر أكيد، ألا وهى أوكرانيا ذاتها. المعايير المزدوجة أو تطبيق استجابات وردود فعل مختلفة بشكل غير عادل على الأزمات حول العالم ستظل تطارد حقوق البشر أينما كانوا. يجب التعامل مع جميع الأزمات بالتساوى وما لا يتم قبوله فى حالة لا ينبغى أبدًا قبوله فى حالة أخرى.